السبت، 24 ديسمبر 2016

عجبٌ أمركم أيها المسلمون المؤمنون!

عجبٌ أمركم أيها المسلمون المؤمنون!
عجبٌ حالكم الذي تعيشون!
عجبٌ ما يُصنع بكم وما تصنعون!
أأنتم مخدرون؟ منومون؟ معزولون؟
بربكم! ألا تتفكرون؟!
أم زُيّنت لكم أعمالكم فأنتم تعمهون؟!

كتابكم واحد، فلمَ أنتم مختلفون؟!
لمَ لا تحتكمون إليه فترتاحون وتريّحون؟!
لمَ أنتم عن كتابكم عازفون؟
وإلى غيره تحتكمون؟!
أفيه نقصٌ فأنتم إليه حديثا تضيفون؟
أم فيه زيادة فأنتم من آياته تنسخون؟

لمَ أنتم للحي لا تمتثلون؟
أم أنكم من الأموات تخافون؟
إنهم بشر مثلكم، فلمَ تُقدسون؟
أوليسوا يصيبون ويخطئون؟!
فلمَ بين كلام الله وبين كلامهم تساوون؟

ما بكم عن واقعكم غافلون؟!
أم أعمتكم مصالح الدنيا فأنتم الحقَّ لا تبصرون؟!
إنكم وراء المصلحة تلهثون!
لا تعتذروا اليوم، فأنتم غير أنفسكم لا تعبدون!
سواء أقررتم بهذا أم كنتم له جاحدون!!
غرتكم الحياة الدنيا وما تشعرون!

ثم ما مصيركم الذي تتوقعون؟
ألا ترون أنكم للموت ذاهبون؟!
وإلى المقابر جماعات تساقون؟
"ما لكم كيف تحكمون"؟

أتبصرون؟
أتسمعون؟
أتعقلون؟
أكرر: أتعقلون؟!
للمرة الثالثة: أتعقلون؟!!

خاتمة:
- الحياة لا تعبأ بالحمقى!

الجمعة، 16 ديسمبر 2016

رسالة من أوزبك إلى حسن درويش بجبل مارون

أيها الدرويش الحكيم ذو العقل المتأمل، المضيء بالمعارف الكثيرة، استمع لما أقصه عليك: هناك فلاسفة لا يصِلون - في الواقع - إلى ذروة التفكير الشرقي، ولا ينجذبون إلى العرش المنير ليستمعوا إلى تسبيح الملائكة الذي يرنّ في الملأ الأعلى، ولا يدركون غضب الجبار، وهم موكولون إلى أنفسهم، محرومون من الألطاف الإلهية، ويتبعون في صمت نتائج التفكير الإنساني.

إنك لا تتصور إلى أي مدى يقودهم هذا القائد (العقل البشري)، إنهم كشفوا الفضاء، وشرحوا بالميكانيكا البسيطة نظام الهندسة الإلهية. وأن خالق الكون أعطى المادة حركتها، فلم تعد ضرورة إلى شيء أكثر من هذا لينشأ هذا التنوع العجيب للآثار التي نراها في العالم.

إن المشترعين العاديين يقدمون لنا قوانين تنظيم المجتمع الإنساني؛ قوانين تتعرض للتغيير، كتغير العقول التي تقترحها، والشعوب التي تتبعها. وهولاء الشرقيون لا يحدثوننا إلا  عن القوانين العامة الثابتة الدائمة التي ترعى دون أي إستثناء، وتمضي في نظام وثبات وسرعة لا حد لها في الأكوان العظيمة الفسيحة.

وما تظن أن تكون هذه القوانين يا ولي الله؟ ستتخيل أنك داخل في الملأ الأعلى وسيملكك العجب من لطف التدبير وسموه. وستأبى - قبل كل شي - أن تفهم، ولن يكون منك إلا الإعجاب.

ولكنك من فورك ستغير رأيك: فكل ما ترى من الأشياء لا يبهرك مطلقا بجلال زائف. بل إن البساطة جعلتها غير معروفة أمدا طويلا، ولم يعرف مدى سعتها وخصبها إلا بعد تفكير عميق؛ فأول حقيقة هي أن كل جسم يأخذ في رسم خط مستقيم ما لم يقابل عقبة تعترضه فترده. والثانية، وما هي إلا متممة للأولى، هي أن كل جسم يدور حول مركز يأخذ في البعد عنه، لأنه كلما ابتعد الخط المرسوم عن المركز كان أقرب إلى الخط المستقيم.

هاك أيها الدرويش السامي مفتاح الطبيعة! وهاك الأسس الخصبة التي تستنبط منها نتائج بعيده المدى كما سأريك في رسالة خاصة.

إن معرفة خمس حقائق أو ست جعلت فلسفتهم ملأى بالمعجزات، وجعلتهم يأتون بالعجائب والغرائب كالتي نرويها عن أنبيائنا عليهم السلام.

ولأنني أخيرا متأكد من أنه لا يوجد بين علمائنا من لا يرتبك إذا طولب بأن يزن في ميزان كل الهواء الذي يحيط بالأرض، ويقيس جميع المياه التي تسقط كل سنة على سطحها. كما لا يوجد من بينهم من لا يفكر أكثر من أربع مرات قبل أن يقول: كم فرسخا يقطعها الصوت في الساعة، وكم من الزمن يحتاج إليه شعاع الشمس ليصل إلينا، وكم طول المسافة بيننا وبين زحل، وأي انحناء يكون في مركب شراعي أفضل ما يكون؟

ولعل بعض الأتقياء إذا جمّل كتب هؤلاء الفلاسفة بكلمات سامية رفيعة، ومزجوها بمجازات جريئة، وكنايات لطيفة، فإنه بذلك يعد كتابا جميلا، لا يعترف بالتفوق عليه إلا للكتاب المقدس.

مونتسكيو - من باريس في 15 شعبان 1716
شارل لوي دي سيكوندا المعروف باسم مونتسكيو  Montesquieu، فيلسوف فرنسي صاحب نظرية فصل السلطات الذي تعتمده غالبية الأنظمة حاليا.

الجمعة، 9 ديسمبر 2016

الحب الحقيقي

"إن الحب هو اتحاد المرء مع شخص آخر، خارجه، على شرط إبقائه على انفصال ذاته وسلامتها. إنه تجربة المشاركة والاشتراك، التي تسمح بالتفتح الكامل لنشاط الإنسان الداخلي" .. إريك فروم 

لقد ساد اعتقاد (خاطئ) بأن الحب بين الزوجين هو نتيجة الاشباع الجنسي، وأن معرفة التكنيك الجنسي الصحيح يفضي إلى السعادة الجنسية والحب. وهذه الفكرة المغلوطة كانت نتيجة التحليل النفسي المتأثر بنظريات سيجموند فرويد. فالحب بالنسبة إلى فرويد هو في ماهيته رغبة جنسية. وقد تأثر فرويد بالفلسفة المادية في القرن التاسع عشر، والتي زعمت أن الظواهر النفسية لا بد أن تكون مترسخة في عمليات فسيولوجية تناظرها. لذا اعتقد فرويد أنه عثر على الأساس الفسيولوجي للعاطفة البشرية (الحب، الكراهية، الغيرة، .. إلخ) في الليبيدو أي في الغريزة الجنسية.

وأما عالم النفس الإنساني إريك فروم فيرى أن حاجات الإنسان وعواطفه تكمن في شمولية الوجود الإنساني. وتلك الحاجات التي يشترك فيها مع الحيوان مثل الأكل والشرب والنوم والاشباع الجنسي مهمة، ولكن اشباعها ليس شرطا كافيا لسلامة العقل والصحة الذهنية


وتعتمد سلامة العقل والصحة الذهنية للإنسان على إشباع الحاجات والعواطف الخاصة بالجنس البشري دون غيره، والتي تنشأ من شروط الوجود الإنساني، وهي تكمن في الحاجة إلى التواصل، والتجاوز، الترسخ، الحاجة إلى الإحساس بالهوية، والحاجة إلى إطار للتوجه والإخلاص. ولهذا فإن عواطف الإنسان الكبيرة، واشتهاءه للسلطة وغروره، وبحثه عن الحقيقة، وشغفه بالحب والأخوة، وتدميريته وكذلك إبداعيته، إن كل رغبة قوية تحرض أعمال الإنسان هي راسخة الجذور في هذا المصدر البشري وليس في مراحل الليبيدو المتنوعة عنده كما افترض تأويل فرويد.


إن الحب لا يكون ممكنا إلا إذا تواصل شخصان معا من مركز وجودهما، ومن ثم إذا عاش كل منهما بنفسه من مركز وجوده. في هذه "الإعاشة المركزية" تكمن الحقيقة الإنسانية، وهنا فقط يوجد أساس الحب. والحب معاشا على هذا النحو، هو تحدّ دائم. إنه ليس مستقرا للراحة، بل هو تحرك ونمو وعمل مشترك. حتى إذا كان هناك تناغم أو كان هناك صراع، إذا كان هناك فرح أو كان هناك حزن، فهي مسألة ثانوية بالنسبة للحقيقة الأساسية. إن شخصين يعيشان نفسيهما من ماهية وجودهما، إنهما يكونان واحدا كل منهما بالنسبة للآخر، عن طريق أن يصبحا واحدا مع نفسيهما بدلا من الهرب من نفسيهماولهذا فإن في الحب يمكن تحقيق الاندماج مع شخص آخر، ويمكن قهر الشعور بالعزلة. كما أن الزوجين يشتركان في العطاء، حيث يعطي كل منهما الآخر، وبهذا العطاء يقهران النزوع إلى الأنانية (النرجسية) والتبعية واستغلال الآخر.


وإذ يؤكد فروم على أن الحب فعل للإرادة والالتزام، فإنه لا يرى أهمية ما إذا كان الزواج بين الشريكين كان من ترتيب الآخرين أو نتيجة الاختيار الفردي، لأنه إذا ما تم الزواج، فيجب على فعل الإرادة أن يضمن استمرار الحب. وهذا هو الأساس المنطقي وراء العديد من أشكال الزواج التقليدي الذي لا يختار فيه الشريكان بعضهما، ولكن جرى اختيارهما لبعضهما، ومع هذا يجري التوقع أن يحبا بعضهما.

ومن وجهة نظر التحليل النفسي فإن البريطانية جوان ريفيير* تقول: إن ما نسميه الحب الحقيقي هو حالة يمتزج فيها عاملان: الحب والرغبة الجنسية، ولا يشكلان سوى عامل واحد، هذه الحالة تنجم عن واقع مفاده كمال الحب لدى الرجل والمرأة، الذي يمكّنه (أي الحب) أن يشبع الرغبات المتبادلة ويرضيها. والحب المتبادل يكوّن ضمانا مضاعفا بالنسبة لكل شريك من الشريكين. فحب الآخر، إذا انضاف إلى حب الفرد نفسه، يضاعف احتياطات الحب والهناء، وبالتالي يضاعف احتياطات الضمان ضد الألم ونزعة التدمير والتعاسة الداخلية. يضاف إلى ذلك أن كل شريك من الشريكين يجدد الرغبة الجنسية لدى الآخر بفعل ما يؤمّنه من إشباع للحاجات الجنسية، وهذه الرغبة الجنسية، وهي ألمٌ كامن ومصدر نزعة التدمير، تصبح لذة مطلقة ومصدر الهناء.

وخلاصة القول أن الحب الحقيقي بين الزوجين هو إيمان كل واحد منهما بنفسه وثقته بالآخر على قدرته على الحب، وهو نشاط وسعي للاندماج الكامل، للاتحاد مع بعضهما؛ ينتج عنه إشباع الرغبات المتبادلة والسعادة، وهو كذلك تجربة أن يصيرا شخصا واحدا ويظلان شخصين في الوقت ذاته؛ فينتج عنه الاهتمام والمسؤولية والاحترام**، وهو أيضا فعلٌ للإرادة بأن يحبّ كل منهما الآخر؛ والالتزام بأن يستمر الحب بينهما وهذا يعني استمرار حياتهما الزوجية. 

وفي الختام نتذكر ما قاله الشاعر الروسي بوشكين:
حيث لا حب، لا يُعرف المرح
وتافهة هي الحياة؛ ولا تحمل أية متعة 
********
* جوان ريفيير (1883 - 1962) ساهمت في التحليل النفسي خاصة المدرسة البريطانية.
** الاحترام (وفقا لجذر الكلمة Respicere = التطلع إلى) يعني أن انظر إلى الآخر كما هو، موضوعيا، لا تحرفه رغباتي ومخاوفي. كما أن الاحترام يعني الاهتمام بأن الشخص الآخر إنما ينمو ويتكشف على نحو ما هو عليه. وهكذا يتضمن الاحترام عدم وجود الاستغلال.
==========
المراجع 
  1. إريك فروم، فن الحب، ت. مجاهد عبد المنعم مجاهد، دار العودة، بيروت، لبنان، 2000م.
  2. ميلاني كلاين وجون ريفيير، الحب والكراهية، ت. وجيه أسعد، دار البشائر للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، سوريا، 1993م.

الأحد، 20 نوفمبر 2016

هرقليطس .. الفيلسوف صاحب الفكرة الجديدة

هرقليطس  (Heraclitus) (483 – 544 ق.م)


فيلسوف يوناني سابق على سقراط ، قال بالتغيّر الدائم.

يصعب تحديد تاريخ حياته بدقة، غير أنه من الراجح أنه ازدهر (أي كان في الأربعين من عمره) حوالي سنة 500 ق.م.، ولا يُعرف عن حياته غير أنه كان من الأسرة المالكة في مدينة أفسوس بآسيا الصغرى.

ووصفه بلقب "الفيلسوف الباكي" إنما هو سوء تأويل لما نسب إليه من "ثاوفرسطس" من "مالنخوليا"، وكانت تطلق آنذاك لا على الأحزان بل على الاندفاع. لكن شاع في العصر القديم القول بأن ديمقريطس كان يضحك من حماقة بني الإنسان، بينما كان هرقليطس يبكي منها، فسمي ديمقريطس بالفيلسوف الضاحك، وهرقليطس بالفيلسوف الباكي.

كذلك اشتهر هرقليطس بالغموض، فقيل عنه "الفيلسوف الغامض". وشاع هذا القول في كل العصر اليوناني والروماني، والسبب في ذلك أنه كان يطيب له المفارقات والأقوال الشاذة، وكان يعبر عنها بلغة مجازية رمزية. ومن هنا لقبه تيمون الفليوسي (القرن الثالث ق. م) بلقب "صاحب الألغاز". ويقول عنه أفلوطين: "كان يتكلم بالتشبيهات، ولا يعنى بإيضاح مقصوده، ربما لأنه كان من رأيه أن علينا أن نبحث في داخل نفوسنا كما بحث هو بنجاح".

ومن نظرياته الفلسفية الرئيسة القول باللوغوس  logos، حيث يقول "كل شيء يحدث وفقا للوغوس"، ويقول "إن اللوغوس يرتب كل الأشياء". لكنه يستعمله بالمعنى الجاري أي بمعنى القول "الأحمق يتهيج لأي قول".

لكن المعنى الخاص للوغوس عند هرقليطس يدل على العقل الإنساني، وعلى المبدأ الذي يحكم العالم، أو القانون الذي وفقا له يترتب العالم و هذا اللوغوس شامل سائد في كل الكون لكنه يتصوره تصورا ماديا، أي على أنه كيان مادي من عنصر النار، لأنه يقول "إن كل الاشياء متحولة من النار فالمظهر المادي للوغوس هو النار".

إلى جانب القول باللوغوس، قرر هرقليطس المبادئ الثلاثة التالية:

1.     الانسجام هو دائما نتاج المتقابلات، ولهذا فإن الحقيقة الأساسية في العالم الطبيعي هي الكفاح.
2.     كل شيء في حركة مستمرة وتغيّر.
3.     العالم نار حية دائمة البقاء.

المبدأ الأول له ثلاثة أوجه:
  • كل شيء مؤلف من متقابلات ولهذا فإنه خاضع للتوتر الداخلي.
  • المتقابلات في حالة هوية بعضها مع بعض، أي أن المتقابلات واحدة.
  • الحرب هي القوة المهيمنة والخلاقة، وهي الحالة السليمة للأمور.

أما المبدأ الثاني فيعبر عن بقوله: "كل شيء في سيلان دائم". والقول المشهور هو "لا تستطيع أن تنزل في نفس النهر مرتين". يضيف إليه فلوطرخس "لأن مياها جديدة تتدفق فيه".

أما المبدأ الثالث فيشرحه هرقليطس في قوله: "إن نظام العالم Kosmos واحد للجميع، لم يصنعه أحد الآلهة ولا الناس، لكنه هو دائما وسيكون كذلك أبدا: نار حية دائمة البقاء، أشعلت بمقاييس وأطفئت بمقاييس". ويشرح ذيوجانس اللائرسي هذا القول بأنه يعني أن "الكون ولد من نار وسينحل من جديد إلى نار، في عصور متوالية على التبادل، وهكذا أبدا".

إذن هرقليطس هو القائل: إن أصل الأشياء النار لأنه رأى أنها دائمة السيلان.

وكان يزدري أغلبية الناس، حيث يقول: "أناس آخرون لا يعلمون ما يفعلون وهم يقظى، تماما كما ينسون ما يفعلون وهم نيام". ومن أقواله: "إن الناس يتبع بعضهم بعضا ولا يفكرون تفكيرا حرا مستقلا، وكل شيء يظهر عندهم بمظهر خاطئ، والطريق الذي يسيرون فيه لا يعلمون إلى أين ينتهي، وعلى وجه العموم، معتقدات الناس وآراؤهم العامة كلها خاطئة، بل والقلة القليلة من المفكرين ليسوا بأحسن حظا كثيرا من عامة الناس".

إذا ذهبنا إلى مذهبه في المعرفة وجدنا أنه قد حمل على المعرفة الحسية (كما فعل برمنيدس من قبل)، وقال: "إن المعرفة الصحيحة هي المعرفة العقلية وحدها، واما معرفة الحواس فليست معرفة حقيقية بل هي ظن ولا تؤدي إلى اليقين".

وفي الأخلاق، نجد أن أول بحث في الأخلاق بمعناها الحقيقي عند الإغريق، كان هرقليطس هو أول من قام به. فقد كان يطالب بالحرية الأخلاقية وأن يسير الإنسان على العقل في أفعاله، وألا يتبع العامة والمجموع. وكان من أجل هذا يحمل على الديمقراطية لأنها قانون العامة وأوساط الناس.

ومن شذرات أقواله:

- "لا يوجد هنالك من شيء دائم سوى التغيير"

- "الكلاب تنبح في وجه كل من لا تعرفه"

"الحمير يفضلون سقط المتاع على الذهب"

- "إن الحرب هي أبو كل شيء (كان يعلم أن الحرب لا يقوم بها إلا الذكور، لذا قال: "أبو كل شيء"!!)

- "الرجل الواحد في نظري يكون عن ألف رجل، إذا كان هو الأفضل"

- "لست أرى إلا التحول والتغير. لا تخدعوا أنفسكم، ولا تلوموا حقيقة الأشياء بل لوموا قصر نظركم إن ظننتم أنكم تبصرون أرضا ثابتة في بحر الكون والفساد. أنتم تخلعون على الأشياء أسماء وكأنما ستبقى إلى الأبد. ولكن النهر الذي تنزلون فيه للمرة الثانية ليس هو نفس النهر الذى نزلتم فيه أول مرة"

يقول عبد الرحمن بدوي: إن مذهب هرقليطس جديد كل الجدة، لأنه أول مذهب قال بالتغير الدائم المطلق، وجعل من التغير في الكيف تغيرا مستمرا، الأساس في الوجود، كما أن فكرته في الأضداد وفي أن كل شيء يحوي ضده وأن الأضداد هي هي نفسها. ويضيف: إن هرقليطس كان في كل هذا صاحب فكرة جديدة كان لها أكبر الأثر فيما بعد في تاريخ الفلسفة. وقد أثرت في كل الذين قالوا بعده بالتطور.

********

الأحد، 6 نوفمبر 2016

التفاؤل الساذج

"عباس" و "راضي" في حوار قصير جرى بينهما عندما كانا يستعرضان ما صار إليه الحال في بلاد العرب من طائفية وحروب خلّفت الفقر والمرض والتشرد والهجرة، وأنواع الدمار والخراب. 

يبدأ عباس الحوار بطرحه لرأي كان قد قرأه لمفكر إسلامي معاصر، وهذا الرأي كان جديدا حتى بالنسبة لعباس. 

راضي: جحظت عيناه (من هول ما سمع)، ثم قال متعجبا: الناس من ذاك العهد إلى يومنا هذا يتبعون نفس المنهج، أيعقل أنهم جميعا على خطأ؟!!

عباس: (ويبدو غاضبا) يا بن آدم! أليست نتيجة هذا المنهج ماثلة أمام عينيك ؟! ألا ترى كل هذه الأحداث المفجعة والموجعة ؟ ألا تعي تخلفنا عن الحضارة الإنسانية ؟ ألا تكفي هذه الشواهد، وغيرها الكثير، لتخبرنا أن هناك خللا ما في هذا المنهج؟! 

راضي: لا تحاول أن تقنعني! لأنه من غير المعقول أن كل أولئك الناس الذين سبقونا كانوا على خطأ! صدقني يا عباس المشكلة فينا، في فهمنا وفي تطبيقنا!

عباس: هل أفهم من كلامك أننا يجب أن نفعل مثلما فعل الأولون، ونستمر على نفس المنهج؟

راضي: (وكان واثقا كعادته) طبعا، لأن هذا هو الطريق الصحيح.

عباس: وهل تتوقع أن تتغير حالنا للأفضل؟!

راضي: صدقني! أنا متأكد يا صديقي عباس أن حالنا ستكون أفضل!! أنت لا يمكن أن تتخيل أو تستوعب لطف الله بعباده!!

عباس: (تنهيدة عميقة) لا تصدق كل ما يقال لك! يجب على كل واحد منا أن ينبش الكتب، أن يقرأ ثم يقرأ حتى يفهم ما كان وما يكون، لأننا ببساطة إذا لم نفهم ماضينا فلن نستطيع فهم واقعنا، وإذا لم نفهم واقعنا، فحتما سيتجاهلنا المستقبل!

راضي: لكن هناك الكثير من الكتاب الذين يملأ التفاؤل كتاباتهم.  

عباس: يا للأسف ! أن يكون بيننا مَن يحاول أن يطمئن الناس، ويدعوهم إلى عدم القلق مما يحدث في بلادنا، بل ويُظهر تفاؤلا ساذجا مميتا. إن هؤلاء لَعَالة علينا وآفة تكاد تخنق إرادة التغيير فينا. إنهم بدلا من التصدي للجمود الذي عطل العقل وشل حركة الفكر، ارتأوا الركون إلى الأماني التي تدغدغ خيالاتهم، وإلى الوهم الذي يعشعش في رؤوسهم. و "بئس الخيال تقوده الأوهام" كما قال شاعر العرب الأكبر.

انتهى 

الاثنين، 5 سبتمبر 2016

التنمية تبدأ بالإنسان

كل الخطب والخطط والبرامج التي عُملت والتي ستعمل من أجل التنمية والتطوير والنهوض من هذا السبات المقيم فينا لمحاولة اللحاق بالركب العالمي هي محض هراء، لأنه ما لم يكن الإنسان هو البداية والأساس والمحور في أي عملية تنموية تطويرية فلن يكتب لها إلا المزيد من استنزاف الوقت والمال والطاقات وأعصاب الذين ينتظرون تنمية حقيقية للإنسان. 

إن تنمية الإنسان وتطويره تعني بالدرجة الأولى تحرير الإنسان من التبعية ومن كل ما يسلبه قدرته على التفكير الحر السليم، وما يفك عنه الأغلال الاجتماعية التي تُفرَض عليه من المجتمع وتقاليده الموروثة بلا سابق فحص ولا تدقيق.

وإذا أخذنا على سبيل المثال مجال التعليم لنوضح أن ما عُمل من برامج وخطط ليس إلا استنزافا في الموارد البشرية والمادية وتلميعا للقشور وتحايلا على تنمية الإنسان!

في مجال التعليم، لن يضيف تطوير المناهج شيئا لأن التلميذ لا يتعلم بواسطة المعلومات التي يحفظها اليوم ليأتي غدا ويطرب بها أذن مدرسه الأطرش. هذا المدرس الذي يفرض على تلاميذه منهجا قد عدّ مسبقا، مما يسوغ للمدرس فرض المادة الدراسية وآرائه كذلك على جميع التلاميذ، بحيث يصبحون كشخص واحد بدلا من أن يتمتع كل فرد منهم بفرادته. إن تحقيق مثال واحد للتلاميذ لا يجعل منهم إلا قطيعا يسهل التحكم فيه والتصرف في شؤونه، فهل في هذا تنمية للإنسان؟!

ثم إن تعليم الإنسان يتحقق بمقدار ما يتعلمه من طرق البحث عن المعلومات والمقارنة فيما بينها والنقد والمناقشة وطرق التفكير السليم التي لن تكون إلا بالحوار بين التلميذ ومعلمه وبين التلميذ وزميله في المدرسة. ويشير إدغار موران إلى هذا بقوله: "لا يتعلق الأمر بكمية أو حجم المعرفة التي نلقنها للأجيال، بل إن الأهم من ذلك هو دفعهم إلى التفكير والتأمل". كما أن رغبة التلميذ في التعلم، وفاعليته في عملية التعليم هي من الأشياء التي تبعث السرور في نفسه، وأما التلقين وإجباره على منهج معين فهي من أسباب الملل التي قد تؤدي إلى مقاومة نفسية للتعليم. فهل نظام التعليم الحالي والذي يقوم على التلقين بدلا من حثّ التلاميذ على البحث والتفكير والتأمل يساهم في تنمية الإنسان؟!

إن التربية الحديثة لا تقدم المعلومة للتلميذ إلا من خلال التجربة والنشاط والمشاركة، كما تحوّل دور المعلم من مجرد ملقن إلى موجه. وكما هو معلوم فإن التربية الحديثة تشمل على قيم المدنية الحديثة، وأهمها الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية. فما هو نصيب قيم المدنية الحديثة في مناهج التعليم "المتطورة"؟!

إن من واجب التربية الحديثة التركيز على المشاركة والنشاط بروح التعاون من قبل التلاميذ، وتنمية الحس الاجتماعي بينهم. وهذا مما يؤخذ على النظام التربوي التقليدي الذي فشل في تنمية التعاون بين التلاميذ وفي العمل بروح الجماعة. وإن كان هدف التربية والتعليم هو مساعدة التلميذ وإرشاده كي يتمكن من التفكير بنفسه وبوجوده ضمن المجتمع الإنساني لا أن يجعله مجرد مستقبل للمعلومات، فأي تنمية للإنسان في ظل نظام تربوي تقليدي لا يكون التلميذ فيه هو أساس العملية التربوية؟ 

إن تنمية الإنسان تبدأ بتحرير الإنسان من كافة أشكال التبعية، ومن أشكال التسلط الواقعة عليه، وتحرير عقله من قيد العادة والتقليد، والزج به ميادين العلم المختلفة حتى يكون مهيأ للتطوير والإبداع. وهذا ما قاله جان بياجيه بأن "الهدف الرئيس من التعليم هو خلق الإنسان القادر على القيام بأشياء جديدة، وليس مجرد تكرار ما فعلت الأجيال السالفة". إننا بدلا من أن نخلق الفرص التي تمكّن التلاميذ من الإبداع، نجعل مصيرهم للصدف التي لا رزّ لنا فيها ولا لبن!

ولكن هل الواقع المعيش يُنبئ بأن تنمية الإنسان وتطويره فكريا ومعرفيا ممكنة في ظل هذه الظروف الاجتماعية والسياسية؟ وهل هناك ما يمكن الاعتماد عليه كمعيار لهذه التنمية؟ وهل كتبنا على أنفسنا أن يظل حوارنا في فتاوى الحلال والمحرم وإقصاء المرأة (أي نصف المجتمع) ومحاصرتها؟ وكيف يمكن تنمية الإنسان إذا كان التعليم لا ينتج إلا مزيدا من التبعية والصمت؟ وكيف نحيي التفكير في شبابنا ونحن مازلنا إلى اليوم نحارب الإبداع وأهله؟ وهل من الممكن تنمية الانسان في مجتمع مغلق على نفسه؟ 

تكثر فينا الأسئلة وتكثر معها الإجابات التي تطرح أسئلة أكثر وأعمق، ويبقى السؤال: هل نسعى إلى تنمية الإنسان أم إلى مزيد من الخطط والبرامج التي ترهق أعصاب الإنسان؟

السبت، 13 أغسطس 2016

ولادة جديدة

 "إن عملية الولادة في أبسط معانيها تعني الاستمرارية"

تقف القراءة القديمة للنص الديني حجر عثرة في طريق القراءة الجديدة، سواء في ابتداعها أو في دراسة وتطبيق المبتدع منها. فمن ناحية يظن المتمسكون بالقراءة القديمة ولأنها كانت الأقرب زمانيا من العصر الأول للإسلام المحمدي (العصر النبوي)، فهي الأقدر على فهم الدين، ويتحججون بأن الأولين كانوا أكثر دراية باللغة وبالمرويات والأحكام الفقهية وغيرها. ولكن يتناسى هؤلاء المتمسكون بالقديم أن فهم النص الديني وتأويله عمل بشري قابل للصواب كقابليته للخطأ أيضا، وهم أيضا يتجاهلون أو يجهلون الظروف السياسية والاجتماعية التي أنتجته.

بينما يرى الذين ينادون بقراءة جديدة للنص الديني أن الاعتماد على القراءة القديمة هو السبب في تخلف الأمة فكريا ومعرفيا، وفي واقعها المؤلم والمتجه نحو مزيد من التفكك والتراجع، ولا أدلّ على ذلك من الانحلال الأخلاقي وصولا إلى الحروب الطائفية بين المسلمين أنفسهم. ويرى المنادون بالقراءة الجديدة أنها الضامن لمصداقية أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، ولذلك فهي واجبة على كل جيل وفي كل عصر بما يتناسب مع ما وصلت إليه الحضارة الإنسانية في كل ميادين العلم والمعرفة، وكما هو معلوم فإن انجازات العلم اليوم تتسارع بشكل يفوق تسارع الأحداث في الدول العربية!

إن تطور المعرفة وأدواتها وتشعب فروعها في هذا العصر لازمه تطور في العقل الإنساني وطرق تفكيره، وقد لوحظ أن الدماغ البشري يتطور باستمرار وذلك نتيجة للتعلم والتواصل فيما بين الناس. وقد أثبت فلين Flynn عالم اجتماع نيوزلندي في الثمانينات أن معدل IQ يزيد كل 10 سنوات بنسبة 3 نقاط وذلك منذ الثلاثينات في العديد من البلدان، وتتعلق هذه الزيادة في الـ IQ، بشكل خاص، بالقدرة على حل المشاكل، لا في مسائل اللغة. ومن ناحية ثانية صار الحصول على المعلومات والمقارنة فيما بينها أسهل وأعظم مما كان في السابق، كما أن السكوت عن ما اختلف فيه الفقهاء ودسّ مصادر العلم لم يعد ممكنا اليوم في ظل هذا الانفجار التقني والتواصلي العظيم.

إن القراءة الجديدة للنص الديني ليست انقلابا على التراث بقدر ما هي خضوع للواقع ومتطلباته. هذا الواقع المعيش الذي يناسبنا كأفراد وجماعات من حيث أننا فرضنا عليه ما توصلنا إليه على الصعيد العلمي والفكري والتقني فبات يفرض علينا أن نعيشه بنفس الطريقة التي نفكر ونتواصل ونبني ونتقدم بها. 

إن القلق بشأن ما كان وما سيكون هو نتيجة خوفنا من التغيير، سواء كان ذلك بسبب خوف البعض على مصالحه الشخصية المادية أو مركزه الاجتماعي أو سلطته السياسية، وإما بسبب عدم فهم الدين، وبالأصح عدم محاولة فهم الأسباب التي أدت إلى ما هو عليه الدين اليوم من تعددية مذهبية بشرية، تجمع بينها الطائفية والقتل في ساحات الحرب، والكراهية والحقد في ساحات العاطفة واللا وعي.

إن من الواجب على المهتمين بقضايا الأمة، الساعين لإخراجها مما تعانيه اليوم، أقول يجب عليهم مناقشة تلك الأسباب التي أدت إلى فرقتها واقتتالها بوضوح تام وبجرأة نقدية تلتزم بالحقيقة فقط دون تقديس الأشخاص أو انتقاصهم، كما يجب عليهم الاجتهاد في البحث عن الحلول، وتجاوز المختلف فيه، والقضاء على كل ما من شأنه أن يتسبب في إثارة المذهبية والطائفية في المستقبل، حتى يتفرغ شباب هذه الأمة المنكوبة إلى الانتاج المعرفي والابداع والمساهمة بفعالية في صنع الحضارة الانسانية.

وخلاصة القول أن ما يجب علينا أن نستوعبه هو أنه لولا القراءة القديمة لما وجدت القراءة الجديدة. وأن كل ولادة جديدة لا تعني نهاية القديم بقدر ما تعني استمراره في شكل جديد قابل للعيش وبعيد من التقليدية العاجزة عن فهم الحاضر والعقيمة في انتاجها المعرفي. لذا فإن على كل جيل أن يبدع قراءة جديدة تتناغم مع واقعه في سيمفونية الحياة الرائعة، ليضمن وجوده أولا وليضمن استمرارية انتاجه دائما. إن سكوتنا عن تمزيق الأمة لنفسها وتفككها مذهبيا وجغرافيا لهو خيانة ليس لحاضرها فقط، بل ولمستقبل أجيالها القادمة.

الجمعة، 29 يوليو 2016

لماذا آمن الناس بالسحر؟

نخطئ إذا ظننا أن الإيمان بالسحر قد نبت في ذهن الإنسان نتيجة للصدفة أو الارتجال، ففي عالم الشعوب البدائية لا وجود للصدفة. ويكفي أن هذه الظواهر سايرته آلافا من السنين وما تزال تعيش معه، وما نزال نلاحظ هذا حتى في حياتنا المعاصرة، وإن دل على شيء فإنما يدل على أنها استمدت أصولها من إملاء قلوب السلف استجابة لحاجتهم الاضطرارية إلى المعرفة، أو تخيل المعرفة، ليتغلبوا على القلق الأزلي الذي كان ينتابهم في خضم الكون ومخاطره. وقد اختلفت طبيعة تلك الاستجابة باختلاف صور العالم التي صورتها لهم معارفهم وأوهامهم في مختلف البيئات والعصور.

ولعل الإنسان أول ما وعى لم يميز بين نفسه ومحيطه، فخيل إليه أنه مجرد عضو من جسم عالمي فيه كل محتويات الكون، وهو كالجسم الآدمي متضامن الأعضاء يعين بعضها بعضا، حتى إنه يمكن، بحكم تضامنه الكامل مع العالم، تحريكه وفق إرادته إذا ما عرف سر تلك الروابط. تلك الفكرة وهي أن الإنسان يملك سلطانا على القوى الخارجية يعرف كيف يديرها على نحو ما هي أساس السحر. 

ولقد كانت مرحلته التالية في تطور تفكيره وفي محاولته تفسير مظاهر الكون، أن عزا إلى الكائنات روحا خاصة وأسند إليها إرادة ذاتية وتصور أنها دائمة التدخل في حياته اليومية، ثم ألّهها كلها كما ألّه كل ما كان يجهله ويخشاه، وهذا ما يسمى الروحانية (animism).

ويحصر بول غليونجي مقومات السحر في ثلاثة أمور:

أولا: الاعتقاد بوجود قوة خفية (لا شخصية ولا مادية) تنظم العالم، وأن الساحر يمكن أن يأسرها في جسمه، ثم يحلها بدوره في جسم غيره، وأن يسخرها بصفة عامة عن طريق وسائل معينة. 

ثانيا: المنطق الكاذب الذي يستقرئ القياس السطحي، المثل من المثل، والذي يرى روابط بين الشيء وشبيهه، وبين الشيء واسمه، كأن يعتقد أن أي عمل أتى بنتيجة في الماضي سوف يأتي بمثلها في المستقبل، وأن اسم الإنسان يحدد مصيره، وأن الدواء إذا شابه عضوا فإنه يشفي آلام هذا العضو، وأن خواص الأرقام والأشكال الهندسية تكسبها صفات ملائمة. ومن أمثلة ذلك التفكير الاعتقاد بأن صب الماء على الأرض يسقط المطر. وأن إلحاق الأذى بأي نموذج يسبب مثله في الأصل، وأن يوما من الأسبوع وقعت فيه كارثة يظل شؤما في المستقبل، .. الخ.

وما زال أكثرنا لا يتحدث عن مرض إلا مسبوقا بعبارة "بعيد عنك" أو "عدوك" أو "يكفينا شره"، بل ويتحاشى التلفظ بأسماء الأمراض القاتلة، ويكني عنها بكنى مختلفة، فمثلا يكني السرطان بـ"المرض الملعون" أو "المرض الخبيث". ولا يقدم على عمل ما إلا وقد تضرع قبله بالدعوات. وهذا لا يعني أن الابتهال إلى الله ضرب من ضروب السحر، ولكن الباعث النفسي الذي يملي هذا التضرع إلى الانسان هو الشعور القهري نفسه الذي كان يوعز بتلاوة التعاويذ في العصور النائية، إذ أن الإيمان بالأصنام وبالأرواح كان في ذلك الوقت في مثل إيماننا اليوم بالله ورسله، فضلا عن أن حاجة الإنسان إلى سند علوي هي من الظواهر الباقية. 

ثالثا: عدم إدراك الإنسان لفكرة الموت ردحا طويلا من الزمن لدى كثير من الناس، وعدم تمييزه بين الموت والحياة، وتخيله أن الموت نوم طويل يعيش الميت في أثنائه عيشة الأحياء. وأنه يستقبل منهم السلام عليه ويرد عليهم. وأنه يستيقظ أحيانا فيزور الأحياء طيفا في أثناء نومهم، وشبحا أو رؤيا في أثناء اليقظة، ويطالبهم بحقوقه أو أملاكه أو بالصدقة عنه. ومن هنا نشأ الإيمان بالأحلام وبالأشباح، وتقديم الأطعمة والملابس للمتوفين. وعمليات السحر لإعادة الحياة إلى ما كان يحيط بهم في كهوفهم، لتهيئة أسباب الراحة والترف لهم، بغية استرضائهم والحيد بهم عن فكرة العودة. بل يذهب بعضهم إلى القول بأن ركام القبور الذي تحول فيما بعد إلى "الشاهد" كان الغرض من وضعه على القبور في أول الأمر زيادة الثقل على الميت للحيلولة بينه وبين مغادرة قبره.

كانت هذه بعض المقومات النفسية التي جعلت الناس تؤمن بالسحر في الماضي، فلماذا لا يزال الناس يؤمنون به؟! 

لا شك أن أصحاب العقول المستنيرة ينكرون السحر بالكيفية التي يعتقدها عامة الناس، بل ويعدونه من الخرافات التي اخترعها ضعاف العقول العاجزون عن الكسب المشروع. إلا أن كثيرا من الناس في المجتمعات المختلفة لا يزالون يعتقدون في الأعمال السحرية، في حقيقتها أولا ثم في حقيقة تأثيرها في إحداث الأثر الذي تُعمل لأجله. وهنا يجب أن أقول أنه من الواضح أن مستوى الأفراد التحصيلي أكاديميا لا يؤثر على صاحبه بقدر تأثير العقل المجموعي لأفراد المجتمع الذي يعيش فيه، فكم من أولئك الذين يعتقدون في السحر يحملون شهادات جامعية؟! وكم منهم من زمرة المثقفين المؤثرين في مجتمعاتهم؟

إن ما يجب الإيمان به هو أن السحر مجرد وَهْم، يحدث أثره بواسطة الإيحاء، وذلك عندما ينجح الساحر في التأثير على المجال البصري لأصحاب العقول الضعيفة والنفوس الهشة، ممن لديهم الاستعداد للتصديق به. وكما هو معلوم فإن الرغبة أحد أهم أسباب الوهم، بالإضافة إلى الخوف. وهذا يعطينا فكرة عن الدور الذي يقوم به الساحر حيث يزرع الرهبة في قلوب المشاهدين له، ويسيطر عليهم بالإيحاء وبالترهيب، وبواسطتهما أيضا يستطيع الساحر التأثير على مشاعرهم.

وأما عندما نصف حدثا ما بأنه سحر، فهذا يعني أن العقل (منطقيا) لم يستطع أن يفهم كيف حدث! تماما كما في ألعاب الخفة والخدع البصرية. الجدير بالذكر أن هناك أبحاثا علمية أجريت على مشاهدي الخدع البصرية (أي الحيل السحرية) لمعرفة أي جزء من الدماغ يكون نشطا خلال الاستجابة الادراكية للخدع البصرية، ومنها ما توصل إلى حدوث زيادة في نشاط القشرة الحزامية الأمامية عند الأشخاص الذين شاهدوا الخدع البصرية مقارنة بأولئك الذين شاهدوا مشاهد معقولة منطقيا. 

وفي الختام نذكر قصة حدثت لرجل يدعى "كينج" من أقزام البامبوطي الذين يعيشون في الكونجو، هؤلاء الأقزام يعيشون في غابات كثيفة إلى حد لا يرى المرء معه ما هو أبعد من عدة أمتار في كل اتجاه. فقد قام كولن تورنبول وهو عالم انثروبولوجيا باصطحاب "كينج" في رحلة، يحكي تورنبول بعض تفاصيلها قائلا:

بينما كنا نعود إلى السيارة، نظر "كينج" عبر السهول إلى حيث كان قطيع من حوالي مئة جاموس يرعى على بعد أميال. فسألني أي نوع من الحشرات هذه، فقلت له إنها جواميس، وحجمها ضعف حجم جواميس الغابة المعروفة لديه. فضحك بصوت عال وقال لي لا تحكي مثل هذه القصص الغبية، وسألني مرة أخرى أي نوع من الحشرات هذه. ثم بدأ يتحدث إلى نفسه وظل على هذه الحال حتى اقتربت السيارة من القطيع، وقد شاهدهم يزدادون ويكبرون في الحجم، وعلى الرغم من أنه كان شجاعا، إلا أنه انتقل وجلس على مقربة مني، وتمتم قائلا: "إنه سحر". وآخر الأمر عندما أدرك "كينج" أنها جواميس حقيقية، ذهب الخوف عنه، ولكن الذي مازال يحيره هو السبب في أنها كانت صغيرة جدا، وعما إذا كانت صغيرة حقا ونمت فجأة لتصبح كبيرة، أو ما إذا كان نوعا من الخداع.

انتهت القصة ويبقى سؤالٌ مفاده: كم يا ترى عدد أولئك الذين يسكنون البيوت من أمثال "كينج"؟!!

*********

المراجع
1. بول غليونجي، طب وسحر، دار القلم ومكتبة النهضة للنشر، القاهرة، مصر

الثلاثاء، 26 يوليو 2016

التسمية .. من يمتلكها ؟!

"بداية الحكمة أن تدعو كل شيء باسمه"
حكمة صينية

إلى الآن ما زال التلاعب بالتسمية أو الأشياء ومسمياتها هو سيد الموقف في جهلنا بها وتخلفنا عن الركب العالمي المتقدم. ولعل أوضح ما في الأمر أنها لعبة غير واضحة المعالم ومتعددة المواضيع، كما أنها مختلفة النتائج والآثار على الأفراد والمجتمعات. يقول الفيلسوف الألماني نيتشه: تسمية الشيء هي تملكه، وهذا ما يوضحه عبد الوهاب المسيري بقوله: إن مَن لا يسمي الأشياء يفقد السيطرة على الواقع والمقدرة على التعامل معه بكفاءة، ووصف المسيري حال الإنسان العربي المعاصر بقوله: إنه فقد القدرة على تسمية الأشياء.

وهذا يعني أن الإنسان العربي المعاصر فقدَ السيطرة على واقعه وفشل في التعامل معه، وهو ما ينطق به الواقع بكل وضوح صارخ ومؤلم. ولكي لا يقع الفكر الإنساني في أوهام معرفته للحقيقة، فقد دعا فرانسيس بيكون إلى التخلص من "الأوهام" التي تحدق بالفكر الإنساني إذا أراد بلوغ المعرفة الحقيقية، وهذي الأوهام هي: القبيلة، والكهف، والميدان العام (السوق) والمسرح. واعتبر بيكون أن أوهام الميدان العام أو السوق حيث يلتقي الناس ويتحادثون ويدعم بعضهم أوهام بعض، هي أكثر الأوهام ازعاجا لأنها تلحق الأفكار بالكلمات، والتي انسربت إلى الذهن من خلال تداعيات الألفاظ والأسماء، ذلك أن الناس يظنون أن عقلهم يتحكم في الألفاظ. وذكر بيكون نوعين من الأوهام تفرضهما اللغة على الفهم؛ وهما: إما أسماء لأشياء لا وجود لها (مثال: نظرية المؤامرة*) وإما أسماء لأشياء موجودة ولكنها مختلطة وغير محددة (مثال: هيئة كبار العلماء في السعودية أو مصر) وغيرها من الأمثلة التي تحدق بالفكر العربي المعاصر.

ولكن كيف يكون للتسمية دور في تخلفنا عن الركب العالمي المتقدم؟ ومن الذي يمتلك التسمية؟ وهل التسمية سلطة أم سلاح في يد السلطة؟ وإن كانت كذلك، فكيف تكون التسمية سلاحا في يد السلطة؟

بما أن المثال يكشف ألغاز المقال فسأذكر مثالين شائعين عن التلاعب بالتسمية. أولهما ما قاله المفسرون عندما فسروا الآية التي تضمنت: "إنما يخشى الله من عباده العلماء"، حيث زعموا أن المقصود بالعلماء هنا شيوخ الدين بينما إذا استعرضنا الآية بدون اجتزاء فسنجد أنها تتحدث عن علماء الأحياء، والأنثروبولوجيا، والجيولوجيا، والمياه، والنبات والحيوان وغيرهم. ولعل غياب العلماء المتخصصين في العلوم الطبيعية والإنسانية (فيزياء وكيمياء وأحياء، علم الاجتماع، ...الخ)، ساهم في استبدال مسمى "علماء الدين" بـ"شيوخ الدين". إن أكثر الناس، وبطريقة غير واعية، وتحت تأثير الاعتياد ومسايرة الأغلبية وسلطة الاسم "علماء" وغيرها من الأسباب، أقول إن هذه الأكثرية لا تتردد في عمل مقارنة بين قول شيخ الدين الذي ينقل من كتب الأولين وبين ما توصل إليه علماء الفيزياء الكونية! ولعل ذلك يتضح في مسائل علمية مثل: كروية الأرض ودورانها حول محورها وحول الشمس.

ومثال آخر وليكن الحديث (إن صح) القائل: "العلماء ورثة الأنبياء"، فإن النبي عليه السلام أخبرنا عن طريق الوحي بغيبيات مثل خلق الكون وبداية الجنس البشري وقصص الأولين، وهذا ما يكشفه لنا علماء الآثار والأحياء والطب والفيزياء الكونية وبقية المنتمين لزمرة العلماء. وليس لشيوخ الدين (الوعاظ) في هذه الاكتشافات من شيء إلا الإسراع في تكذيبها والسخرية منها، ولكن ما أن يجدوا أثرا في كتب التراث يوافق ما توصل إليه العلماء (ورثة الأنبياء) في مختبراتهم أو ميادين بحثهم، سارع أولئك الشيوخ إلى زعم أن اكتشاف هذا العالم أو تلك هو من الاعجاز العلمي في السنة النبوية!

وما هذا إلا مهزلة تكشف لنا العقم الفكري الذي نعيشه، فهل هناك تخلف وإعاقة فكرية أكبر مما نعيشه اليوم؟

ومن ناحية أخرى فإن اطلاق مسمى "علماء" قد يوهمنا كأفراد ومجتمعات بأننا نمتلك في الواقع علماء "Scientists" وذلك من خلال تشكل صورة خيالية للفظ "علماء" في الذهن دون الوقوف على دلالة اللفظ في الواقع، بل واستبدالها بالدلالة الخيالية وهذا ما يسمى بالخيال أو المخيال الاجتماعي. وعندما نسمي أحدهم "عالما" فنحن لم نعطه التسمية فقط، بل شكلا من الوجود الاجتماعي أيضا.

إن التسمية ليست فعلا بريئا إنما فعل سلطوي، فالسلطة تستخدم التسمية لتعزيز الأيديولوجية التي تتبناها، ولخدمة نفوذها واستدامته وذلك من خلال تغذية المخيال الاجتماعي. يقول عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو: لا تحكم لغة السلطة وتأمر إلا بمساعدة من تحكمهم، أي بفضل مساهمة الآليات الاجتماعية القادرة على تحقيق ذلك التواطؤ الذي يقوم على الجهالة، والذي هو مصدر كل سلطة.

ويؤكد رولان بارط بأن السلطة جرثومة عالقة بجهاز يخترق المجتمع ويرتبط بتاريخ البشرية في مجموعه، وليس بالتاريخ السياسي وحده. وأن هذا الشيء الذي ترتسم فيه السلطة ومنذ الأزل هو اللغة أو بتعبير أدق اللسان. ويضيف بارط بقوله: إن اللغة ما إن ينطق بها، حتى وإن ظلت مجرد همهمة، فهي تصبح في خدمة سلطة بعينها. إذ لا بد وأن ترتسم فيها خانتان: نفوذ القول الجازم، وتبعية التكرار والاجترار. في اللغة إذن خضوع وسلطة يمتزجان بلا هوادة.

خلاصة القول أن الأسماء التي نلصقها بمسميات ما، ومن خلال صورة ذهنية غير واعية، تعمل على تضليلنا واستعبادنا واستبعادنا من خلال سلطة اللغة والتي تستمد سلطتها من وجودها الاجتماعي. إن اللغة سلطة رمزية تمارس نفسها على هيئة القدرة التي تجعلنا نرى أو نفهم أو نعرف أو نؤمن، ذلك أن السلطة الرمزية هي سلطة تعسفية في الأصل، ولكن الناس يعترفون بشرعيتها لأنهم يجهلون أنها تعسفية. إن هذه السلطة الرمزية تتحد بفضل علاقة معينة تربط من يمارس السلطة بمن يخضع لها. وكما أن اللغة تؤدي إلى الهيمنة والسيطرة، فهي كذلك أداة عنف رمزي تؤثر نفسيا على الجماهير وتجعلهم يخضعون لقرارات فئة معينة تميل إلى احتكار امتيازاتها.

*******

* لا نؤمن بنظرية مؤامرة أزلية، ولكن هذا لا ينفي وجود مؤامرة معينة على سبيل المثال للإطاحة بنظام الحكم في دولة عربية ما.
- نظرية المؤامرة بحسب ويكيبيديا تعني: محاولة لشرح السبب النهائي لحدث أو سلسلة من الأحداث (السياسية والاجتماعية أو أحداث تاريخية) على أنها أسرار، وغالباً ما يُحال الأمر إلى عصبة متآمرة بشكل منظم هي التي تقف وراء الأحداث، وكثير من منظمي نظريات المؤامرة يدعون أن الأحداث الكبرى في التاريخ قد هيمن عليها المتآمرون وأداروا الأحداث السياسية من وراء الكواليس.

المراجع
1. بيير بورديو، الرمز والسلطة، ت. عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثالثة، 2007م.
2. رولان بارط، درس السيميولوجيا، ت. ع. بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثالثة، 1993م.
3. فرانسيس بيكون، الأورجانون الجديد، إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة، ت. عادل مصطفى، دار رؤية، القاهرة، مصر، طبعة 2013

الأربعاء، 22 يونيو 2016

‏إني لأعجب .. إدريس جماع

والخائضين الحرب من  **  أجل المطامع والدمـاء
ليـس الـخـراب بـطـولة  **  إن البطـولة في البنـاء


- الشاعر السوداني إدريس محمد جمّاع (19221980)

وفي ديوانه "لحظات باقية" يقول: 

1. إنـي لأعجـب 

عجبـاً أتحتمـل الـحيــاة برغـم أشتـات الصــور
ورحابها تبـدي الجمـال جمـال نفـس أو بصــر
والـفكــر والإبـداع والفـن الـخصيـب المبتـكــر
والحـب والأحـلام نشــوى والأغانـي والسمــر
وبها النضارة والنـدى والنهر يهدر والـزهـــر
مـن لـيس فـي جـنـبـيـه إنسـانيــة بيـن الـبشـــر
حقـد على الإنسـان في جنبيـه عشـش وانتشــر
ويعيــش محسـوبـاً عـليـه إنهــا إحـدى الـكبــر
ولـقــد يـتيـه بعيـشــه بيـن الـمزالـق والـحفـــر 
نبـع الـحيـاة يفيض سمحـا بالـشعـور وبالفكــر
وعلى شـواطئـه الـطبيعـة وهي فتنة من نظـر 
لا يتـركـون لـه الـصفـاء إذا تسلسـل وانـحـدر 
هـم يعـكسـون نفــوسهــم فيـه وهــم فيـه كــدر 
إن عـاش بعـض النـاس يحلـم بالسعـادة للبشـر
يحيـا لـحـل الـنـاس يشمـلهــم بعـاطـفــة وبـــر
هــوت الـنفــوس بهـم لـقـاع رهيـب الـمنحــدر
كرهوا بني الإنسان بل كرهوا الحياة بغير شـر
إن الحياة هي الشعـور فكيـف يحيـا مـن غـــدر
من لـيس يسعـد بالـضميـر ففـي جوانبـه سقـــر

***

2. رسالـة الحيـاة 

إن الـذي بممـاتــه  = هجر الحياة وسحرها 

وحياتـه بالحـب قـد = كانت تمازج غيرهــا 

يولـي المحبـة قومـه = منحوه أو بخلوا بهـا 

وبلاده قد عاش حتى = مات ينشـد خيرهـا 

وينشب نـار جهادهـا = دهرا ويرفع قدرها 

يكـفيــه نبـــلا أنــه  = أدى الرسالة وانتهى

***

3. زائر البستان 

وكــم عــابـر روضــه لم يفـد    من المكث فيهــا ولـو ظلهــا

ولــو خــايلتــه رؤى شــاعــر     لما غادر الومض في طلها

كـــذلـك نـحـن أمـــام الـحيـــا     ة وإدراكــنــا لــمعــان لهــا


وعمـق الشعــور بأسـرارهــا     وبعــد التـفــاوت في نهلهــا

***


ومن أبياته المسطورة في قصائد ديوانه: 


ما حياةُ المرء دونَ الآخرين ** أو حياة العقل من دونِ سؤالِ ؟

*

من أودع الأنفس سر الحياة  ** وقال عيشي وأحبي الجمال ؟

*

وقـال فـي حلقتـه الـفيـلسـوف **  إن الجمال الحق في المعرفهْ
فهي طريق الخير أمٌّ عطوف ** إذا أردنـــا قـولــة مـنـصـفـــهْ

*

بلبـل يعشق الخميـل بهيجــا   أنا لا بومة تناجي الخـرابـا
كلف بالحيـاة لا لي وحــدي   بل لكيـما تعم حتى اليبــابـا
وإذا جفت الحيـاة من الألحا   ن ليسـت تهــزني إعجـابـا

*

خالد الشعر ما توثق بالنفـ     ـس ومـد الـجــذور فـي الأعمــاق
وهــو ابــن الحـيــاة والحـ     ـس لم يمنح خلودا لصنعة وطباق

*

وخير ما ورّث الآباء في وطن ** بالأرض حرية الأوطان للعقب

***