الاثنين، 5 سبتمبر 2016

التنمية تبدأ بالإنسان

كل الخطب والخطط والبرامج التي عُملت والتي ستعمل من أجل التنمية والتطوير والنهوض من هذا السبات المقيم فينا لمحاولة اللحاق بالركب العالمي هي محض هراء، لأنه ما لم يكن الإنسان هو البداية والأساس والمحور في أي عملية تنموية تطويرية فلن يكتب لها إلا المزيد من استنزاف الوقت والمال والطاقات وأعصاب الذين ينتظرون تنمية حقيقية للإنسان. 

إن تنمية الإنسان وتطويره تعني بالدرجة الأولى تحرير الإنسان من التبعية ومن كل ما يسلبه قدرته على التفكير الحر السليم، وما يفك عنه الأغلال الاجتماعية التي تُفرَض عليه من المجتمع وتقاليده الموروثة بلا سابق فحص ولا تدقيق.

وإذا أخذنا على سبيل المثال مجال التعليم لنوضح أن ما عُمل من برامج وخطط ليس إلا استنزافا في الموارد البشرية والمادية وتلميعا للقشور وتحايلا على تنمية الإنسان!

في مجال التعليم، لن يضيف تطوير المناهج شيئا لأن التلميذ لا يتعلم بواسطة المعلومات التي يحفظها اليوم ليأتي غدا ويطرب بها أذن مدرسه الأطرش. هذا المدرس الذي يفرض على تلاميذه منهجا قد عدّ مسبقا، مما يسوغ للمدرس فرض المادة الدراسية وآرائه كذلك على جميع التلاميذ، بحيث يصبحون كشخص واحد بدلا من أن يتمتع كل فرد منهم بفرادته. إن تحقيق مثال واحد للتلاميذ لا يجعل منهم إلا قطيعا يسهل التحكم فيه والتصرف في شؤونه، فهل في هذا تنمية للإنسان؟!

ثم إن تعليم الإنسان يتحقق بمقدار ما يتعلمه من طرق البحث عن المعلومات والمقارنة فيما بينها والنقد والمناقشة وطرق التفكير السليم التي لن تكون إلا بالحوار بين التلميذ ومعلمه وبين التلميذ وزميله في المدرسة. ويشير إدغار موران إلى هذا بقوله: "لا يتعلق الأمر بكمية أو حجم المعرفة التي نلقنها للأجيال، بل إن الأهم من ذلك هو دفعهم إلى التفكير والتأمل". كما أن رغبة التلميذ في التعلم، وفاعليته في عملية التعليم هي من الأشياء التي تبعث السرور في نفسه، وأما التلقين وإجباره على منهج معين فهي من أسباب الملل التي قد تؤدي إلى مقاومة نفسية للتعليم. فهل نظام التعليم الحالي والذي يقوم على التلقين بدلا من حثّ التلاميذ على البحث والتفكير والتأمل يساهم في تنمية الإنسان؟!

إن التربية الحديثة لا تقدم المعلومة للتلميذ إلا من خلال التجربة والنشاط والمشاركة، كما تحوّل دور المعلم من مجرد ملقن إلى موجه. وكما هو معلوم فإن التربية الحديثة تشمل على قيم المدنية الحديثة، وأهمها الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية. فما هو نصيب قيم المدنية الحديثة في مناهج التعليم "المتطورة"؟!

إن من واجب التربية الحديثة التركيز على المشاركة والنشاط بروح التعاون من قبل التلاميذ، وتنمية الحس الاجتماعي بينهم. وهذا مما يؤخذ على النظام التربوي التقليدي الذي فشل في تنمية التعاون بين التلاميذ وفي العمل بروح الجماعة. وإن كان هدف التربية والتعليم هو مساعدة التلميذ وإرشاده كي يتمكن من التفكير بنفسه وبوجوده ضمن المجتمع الإنساني لا أن يجعله مجرد مستقبل للمعلومات، فأي تنمية للإنسان في ظل نظام تربوي تقليدي لا يكون التلميذ فيه هو أساس العملية التربوية؟ 

إن تنمية الإنسان تبدأ بتحرير الإنسان من كافة أشكال التبعية، ومن أشكال التسلط الواقعة عليه، وتحرير عقله من قيد العادة والتقليد، والزج به ميادين العلم المختلفة حتى يكون مهيأ للتطوير والإبداع. وهذا ما قاله جان بياجيه بأن "الهدف الرئيس من التعليم هو خلق الإنسان القادر على القيام بأشياء جديدة، وليس مجرد تكرار ما فعلت الأجيال السالفة". إننا بدلا من أن نخلق الفرص التي تمكّن التلاميذ من الإبداع، نجعل مصيرهم للصدف التي لا رزّ لنا فيها ولا لبن!

ولكن هل الواقع المعيش يُنبئ بأن تنمية الإنسان وتطويره فكريا ومعرفيا ممكنة في ظل هذه الظروف الاجتماعية والسياسية؟ وهل هناك ما يمكن الاعتماد عليه كمعيار لهذه التنمية؟ وهل كتبنا على أنفسنا أن يظل حوارنا في فتاوى الحلال والمحرم وإقصاء المرأة (أي نصف المجتمع) ومحاصرتها؟ وكيف يمكن تنمية الإنسان إذا كان التعليم لا ينتج إلا مزيدا من التبعية والصمت؟ وكيف نحيي التفكير في شبابنا ونحن مازلنا إلى اليوم نحارب الإبداع وأهله؟ وهل من الممكن تنمية الانسان في مجتمع مغلق على نفسه؟ 

تكثر فينا الأسئلة وتكثر معها الإجابات التي تطرح أسئلة أكثر وأعمق، ويبقى السؤال: هل نسعى إلى تنمية الإنسان أم إلى مزيد من الخطط والبرامج التي ترهق أعصاب الإنسان؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق