الأحد، 6 نوفمبر 2016

التفاؤل الساذج

"عباس" و "راضي" في حوار قصير جرى بينهما عندما كانا يستعرضان ما صار إليه الحال في بلاد العرب من طائفية وحروب خلّفت الفقر والمرض والتشرد والهجرة، وأنواع الدمار والخراب. 

يبدأ عباس الحوار بطرحه لرأي كان قد قرأه لمفكر إسلامي معاصر، وهذا الرأي كان جديدا حتى بالنسبة لعباس. 

راضي: جحظت عيناه (من هول ما سمع)، ثم قال متعجبا: الناس من ذاك العهد إلى يومنا هذا يتبعون نفس المنهج، أيعقل أنهم جميعا على خطأ؟!!

عباس: (ويبدو غاضبا) يا بن آدم! أليست نتيجة هذا المنهج ماثلة أمام عينيك ؟! ألا ترى كل هذه الأحداث المفجعة والموجعة ؟ ألا تعي تخلفنا عن الحضارة الإنسانية ؟ ألا تكفي هذه الشواهد، وغيرها الكثير، لتخبرنا أن هناك خللا ما في هذا المنهج؟! 

راضي: لا تحاول أن تقنعني! لأنه من غير المعقول أن كل أولئك الناس الذين سبقونا كانوا على خطأ! صدقني يا عباس المشكلة فينا، في فهمنا وفي تطبيقنا!

عباس: هل أفهم من كلامك أننا يجب أن نفعل مثلما فعل الأولون، ونستمر على نفس المنهج؟

راضي: (وكان واثقا كعادته) طبعا، لأن هذا هو الطريق الصحيح.

عباس: وهل تتوقع أن تتغير حالنا للأفضل؟!

راضي: صدقني! أنا متأكد يا صديقي عباس أن حالنا ستكون أفضل!! أنت لا يمكن أن تتخيل أو تستوعب لطف الله بعباده!!

عباس: (تنهيدة عميقة) لا تصدق كل ما يقال لك! يجب على كل واحد منا أن ينبش الكتب، أن يقرأ ثم يقرأ حتى يفهم ما كان وما يكون، لأننا ببساطة إذا لم نفهم ماضينا فلن نستطيع فهم واقعنا، وإذا لم نفهم واقعنا، فحتما سيتجاهلنا المستقبل!

راضي: لكن هناك الكثير من الكتاب الذين يملأ التفاؤل كتاباتهم.  

عباس: يا للأسف ! أن يكون بيننا مَن يحاول أن يطمئن الناس، ويدعوهم إلى عدم القلق مما يحدث في بلادنا، بل ويُظهر تفاؤلا ساذجا مميتا. إن هؤلاء لَعَالة علينا وآفة تكاد تخنق إرادة التغيير فينا. إنهم بدلا من التصدي للجمود الذي عطل العقل وشل حركة الفكر، ارتأوا الركون إلى الأماني التي تدغدغ خيالاتهم، وإلى الوهم الذي يعشعش في رؤوسهم. و "بئس الخيال تقوده الأوهام" كما قال شاعر العرب الأكبر.

انتهى 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق