الجنس المؤنث هو الجنس العاطفي، والجنس المذكر هو الجنس العامل.
- أوغست كونت
لعل أهم المصاعب التي تواجه الزوجين خلال حياتهما الزوجية هو الاختلاف بين الجنسين في طريقة التفكير وفي الاهتمامات الشخصية وفي كيفية التعامل مع المشكلات وطريقة التواصل فيما بينهما، وكذلك في الاحتياجات العاطفية. ولأن الحياة الزوجية تقوم (وتدوم) على الحوار والتفاهم والتعايش بين طبيعتين مختلفتين؛ فإن معرفة طبيعة الرجل والمرأة لكليهما معين على استمرار الحياة الزوجية التي تجمعهما. وحتى في أسعد الزيجات وأطولها عمرا لا بد من استمرار تلك الاختلافات الجوهرية في الطباع، وهي اختلافات ينبغي الاعتراف بها، والنظر إليها بعين التقدير، وإدراك أن تلك الاختلافات لا يمكن أن تختفي، فالرجل لابد أن يصادف عقبات خارجية يتغلب عليها، والمرأة لا بد أن تحب وأن تحَب.
ومن أهم أسباب فشل العلاقات الزوجية هو سعي أحد طرفي العلاقة إلى تغيير شريك حياته كي يماثله في الصفات والطباع، ظانا أن هذا هو السبيل الصحيح لنجاح العلاقة الزوجية، وكان الأولى أن يتعلم كلٌ منهما كيفية التعامل مع تلك الفروق الصغيرة بينهما. وقبل ذلك؛ أن يملك الأزواج نظرة تُعلي من قيمة الحياة الزوجية والتي من خلالها يمكن الارتقاء والنمو والتكامل للحياة الإنسانية، وليست مجرد إشباع للغرائز الجسدية.
إن ما يضمن استمرار وسعادة الحياة الزوجية ليس الجاذبية المتبادلة من الناحيتين الفكرية والجسدية، بل وجود رغبة صادقة من الطرفين في إنشاء علاقة دائمة، وحتى تستمر هذه العلاقة وتزداد قوة مع الزمن يجب على الطرفين أن يفهم كل منهما عقلية الآخر. ومما يُفهم من تعريف أوغست كونت للجنسين المؤنث والمذكر هو أن في المرأة صلة أقرب كثيرا مما في الرجل بين العقل والجسم، وأن أفكار المرأة أوضح من أفكار الرجل، بينما يقدّر الرجل العمل والانجاز. وقد لا تفهم المرأة حق الفهم حاجة الرجل إلى العمل، وأن النشاط جزء من طبيعة الرجل، ولهذا يتجه اهتمامه بصورة قوية نحو البناء والصيد والرياضة والسيارات وغير ذلك من الأشياء المادية. وينظر الرجل إلى نفسه من خلال قدرته على تحقيق نتائج وانجازات، ويشعر بالرضا عندما يحقق أهدافه بنفسه، فذلك يشعره بالثقة والفخر. والاستقلالية بالنسبة للرجل ترمز إلى قدراته وقوته وكفاءته؛ وهذا سبب مقاومته لتصحيح الآخرين له، لأنه يرى ذلك دليلا على ضعفه وعجزه. فالرجل يسعده أن يتمكن من اختراع جهاز يغير الكون، وكل شيء يصنعه الرجل يحمل طابع الحاجة الخارجية، فسقف بيته معرض للأمطار، وسيارته تعبث بها الرياح والأمطار بعد أن فقدت موقفها الذي كان يحجبها عن الشمس والقمر ومراهقي الحارة.
وعلى العكس من ذلك فإن المرأة يسعدها أن تتفانى في أداء عمل صغير في هدوء بيتها، وكل ما تشغل به المرأة نفسها على صلة بالجسم الإنساني، فوسائد الأريكة تستقبل ذلك الجسم وتعمل على راحة أطرافه، والمرايا تعكس صورته، وإنارة الغرفة تبعث على راحته، وهذه سمات واضحة جلية لطرازين مختلفين من العقول. فمزاج الرجل يختلف تبعا لما يقدّر له من نجاح أو فشل في المحاولات التي يبذلها في سبيل استكشاف العالم الخارجي، أما المرأة فإن مزاجها يختلف باختلاف خوالجها السيكولوجية، وهي تبدو في نظر الشاب الجاهل المتخبط كثيرة النزوات بل غير متماسكة وشديدة العناد.
إن أفكار الرجل تسافر بالطائرة، وتحلق فوق الفراغ والزمان، وهي تحيط بالمجالات المترامية التي قد لا تكون إلا خيالا من خيالاته، وقد تخطئ فتأخذ قشور القول على أنه اللباب في حين أن أفكار المرأة تسافر سيرا على الأقدام؛ لذا يحب الرجال أن يبتكروا الخطط، وأن يتخيلوا العالم ع لى غير صورته الراهنة، وأن يلحقوا في أفكارهم وفي أفعالهم أيضا إذا سمحت الظروف. وتختلف طبيعة المرأة عن طبيعة الرجل في أنها تركز على الحب والتواصل والعلاقات الاجتماعية، وتحقيق المرأة لذاتها يتم بالمشاركة الاجتماعية والتقارب والانسجام، وتشعر بالرضا عندما تكون قريبة من النساء الأخريات وتقدم لهن التعاطف والمساعدة، ولذلك نجد أن التواصل والعلاقات والكلام أهم عند المرأة من العمل والإنجازات وتحقيق الأهداف.
وهنا يجب على الرجل أن يعلم أن الزوجة إنما ترغب بالحديث عن المشكلات من أجل التقرب والتفاهم، وليس من أجل الحصول على الحلول والمقترحات، ولهذا تشعر المرأة بالإحباط بعد الحديث مع زوجها الذي يبادر في سرد الحلول، لأنه لم يدرك أن مجرد الاستماع ومن دون تقديم الحلول والارشادات كان هو كل ما تحتاج إليه المرأة. إن معنى الحوار عند الرجل هو تبادل المعلومات وإيجاد الحلول، بينما هو عند المرأة المشاطرة الحميمية والرغبة في التقرب والدعم العاطفي.
ومن الفروق الواضحة بين الرجل والمرأة، أن الرجل لا يعير اهتمامه عادة إلا للأمور التي يعتقد أنها أمور "كبيرة"، بينما تهتم المرأة أكثر بالأمور "الصغيرة" مثل رسالة نصية أو اتصال في وقت عمله، فهذه الأمور تُشعرها بالاهتمام والمحبة. وحتى إن كانت الأمور تسير كما يجب، فإن المرأة تشعر في إمكانية تحسينها لتكون بشكل أفضل، ولذلك هي لا تتردد في تقديم النصح والتوجيه وهو بالنسبة لها علامة على المحبة والرعاية؛ بينما يميل الرجل إلى ترك الأمور تسير كما هي إن كانت تسير بشكل مقبول، ولا حاجة لمزيد من التحسين والتطوير. وهو لا يرغب في إصلاح الأمر إلا أن يتعطل أو يخرب بالكلية.
ومن طبيعة الرجل رفضه لمحاولات زوجته في تغييره (أي تحسينه كما تظن) لأن هذا يشعره بالعجز والفشل، وعليها أن تدرب نفسها على أن لا تتدخل كثيرا في محاولاتها المتجددة لتغيير طبيعة زوجها وسلوكه وتصرفاته. فمثلا: لا تحاول أن تطرح على زوجها الأسئلة الكثيرة عن أسباب انزعاجه، وإلا فإنه سيشعر بأنها تحاول تحسينه؛ الأفضل أن تتجاهل أنه منزعج مع بعض الاهتمام الخفيف، كما يجب أن تتجنب المرأة تقديم النصائح لزوجها. وقد قال ليو توليستوي: هلاك المرء أقرب إليه من استعداده للعمل على تغيير عاداته!
كهف الرجل وبئر المرأة
إذا عانى الرجل من مشكلة ما فإنه ينسحب إلى كهفه. ويجب أن تدعه المرأة في كهفه، لأنها لو حاولت إخراجه فسيخرج ذئبا متوحشا. وهذا الكهف يمكن أن يكون غرفة في البيت يحددها الزوج مسبقا، فتصبح وكأنها إشارة من الزوج لزوجته أن تبتعد عنه في هذه الفترة وفي ذلك تفادي لكثير من المشاكل التي قد تحدث من محاولة الزوجة الحديث مع زوجها في مثل هذه الظروف التي يعاني منها (يا عائشة ذريني أتعبد ربي).
ومن الخطأ أن تفسر الزوجة رغبة زوجها بالابتعاد عنها أنها هي السبب، لأن الزوج إذا مُنع من الابتعاد فقد لا يشعر بالرغبة القوية للاقتراب، وقد يصبح الرجل نزقا متقلب المزاج ويتطور الأمر إلى أن يكون سلبيا في حواره وتعامله معها، وتتحول العلاقة الزوجية إلى نوع من الروتين الممل. وعلى المرأة أن تعلم أن وقت انعزال زوجها في كهفه غير مناسب للحديث معه ومن الأفضل أن تقضي وقتها مع صديقاتها أو في قضاء حاجاتها من السوق، وقبولها لعزلته في كهفه سيسرع من خروجه من الكهف.
وأما المرأة فقد شُبّه انخفاض مشاعرها وعواطفها وكأنها تنزل في بئر، حيث تدخل المرأة في حالة سوداوية من التشاؤم وضعف الثقة بالنفس والمشاعر الغامضة التي لا تفسير لها. ومن الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها الرجل أن يحاول منع زوجته من تقلبات المشاعر والمزاج، فإذا ما انشغل بالها وضعفت ثقتها في نفسها فإنه يقول لها ألا تشغل بالها وألا تقلق، إلا أن هذا الكلام يزيدها قلقا لأنها تدرك أن زوجها لا يفهمها ولا يقدر مشاعرها. في هذه اللحظة تحتاج المرأة إلى من يستمع إليها برعاية وعطف وحنان.
إذا نزلت المرأة في البئر ووصلت إلى قاعه، فإنها تكون في أمس الحاجة إلى تقبل زوجها لها وتقديم المحبة لها، بدلا من أن يلومها أو يطالبها بأشياء لا تستطيع وهي في هذه الحالة تلبيتها أو الاستجابة لها. ومن المهم أن يدرك أن تقلبات مشاعر المرأة ليست دليلا على تقصيره أو عدم رعايته، وإنما أمر طبيعي لا يمكن تفاديه وأنه فترة عابرة وتنتهي.
إن اختلاف طبيعة كل من الجنسين يتطلب وجود اهتمام مختلف، كما أن وجود هدف مشترك لهو شرط أساسي لبناء علاقة ناجحة وسعيدة. والتغلب على الأزمات يكون بالسعي نحو مستقبل واحد مشترك بينهما. كما أن هناك علاقة وثيقة بين حالات انفصال الزوجين وبين ضعف القدرة على التعامل مع الاختلافات والتوترات بين الزوجين، ولذلك يقول بعض الخبراء أن الذي يحدد طبيعة مستقبل حياة الزوجين ليس مقدار المحبة بينهما، ولا كم هي ناجحة العلاقة الزوجية بينهما، أو صعوباتهما المالية، وإنما طريقة تعاملهما مع النزاعات والاختلافات.
ومن أهم الأمور في وجود علاقة زوجية حية:
1. الحوار بين الزوجين.
2. حل الخلافات وسوء التفاهم.
3. التعهد بالرعاية والاهتمام المتبادل مع ذكر الايجابيات وعدم التذكير بالسلبيات.
وكل هذا يتطلب الوقت المناسب والمكان المناسب والالمام بالاختلاف الطبيعي بينهما، وكذلك طريقة التعبير عما يريده أو يشعر به كل منهما.
إن نمو الحب بين الزوجين يتطلب استثمار الوقت والجهد في رعاية كل طرف للآخر، حتى وإن كنا نعيش في عصر السرعة إلا أن العلاقات الانسانية تتغذى بالوقت الذي يستثمره الناس في هذه العلاقات ولا بد من التأني والتروي في تنمية الحياة الزوجية {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين}
وفي الختام:
يقول ألفرد أدلر: "يستمد الأطفال قناعاتهم عن الزواج مما يكونونه من انطباعات مبكرة مصدرها آباؤهم. لذلك فإن احترام الزواج يُستقي بالخبرة ويُحتذى بالقدوة"، وهذا يعني أن الحياة الزوجية الناجحة تكون نموذجا يحتذي به الأجيال القادمة {ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا}.
****************
المراجع
1- مأمون مبيض، التفاهم في الحياة الزوجية، المكتب الإسلامي، دمشق، سوريا، الطبعة الثانية 2003
2- أندريه موروا، فن الحياة، ترجمة حسن فتيحي، دار الهلال، الإسكندرية، مصر 2003
ماشاء الله مقال جميل جدا دكتور خالد .. احب اضيف انه مهم لكلا الزوجين ان يتعرف على نمط زوجته وحتى خطيبته خصوصا انماط ال mtbi ال ١٦ ليضمن ان كان هناك توافق بينهما وليفهما الصفات العامة لكل نمط ،،
ردحذفشكرا لمرورك، وأنا أؤكد على هذا الإختبار.
حذفوشخصيا ما عرفت هذا الاختبار الا قبل فترة قصيرة من أحد الزملاء المهتمين، مع أني قرأت للدكتور كارل يونغ من قبل.
شكرا لمرورك مرة أخرى