يسكن الفكر العربي في عتمة التخلف
منذ عقود مضت، ولعل الاستبداد الذي يهيمن على المجتمعات العربية هو السبب الرئيس
في استدامة هذا التخلف الحضاري على مختلف المستويات الفكرية والمعرفية والأخلاقية
وكذلك على مستوى البحوث العلمية والصناعات الحديثة، ووسائل الاتصال والتكنولوجيا
على مستوى الأفراد والمجتمعات العربية. ولما كانت جذور هذا التخلف والتراجع
والتقهقر مستترة وعصية على الملاحظة، فقد كان لزاما على أي باحث أن يبدأ من حيث
كانت للعرب بداية.
"محمد شحرور" المهندس الذي أبدع زوايا النظر في الواقع، فامتد بصره مسيرة أربعة عشر قرنا. لقد أدرك الدكتور محمد شحرور أن المرأة هي أحد الأركان الأساسية في المجتمع السوي، وأن المرأة خلال العصور الإسلامية السابقة تعرضت للظلم والاضطهاد والاهانة من خلال ثقافة ذكورية جعلت منها متاعا للذكر وخادمة له، ووصفها بأنها ناقصة، كما جعلت هذه الثقافة الموروثة أكثر أهل جهنم من النساء.
"محمد شحرور" المهندس الذي أبدع زوايا النظر في الواقع، فامتد بصره مسيرة أربعة عشر قرنا. لقد أدرك الدكتور محمد شحرور أن المرأة هي أحد الأركان الأساسية في المجتمع السوي، وأن المرأة خلال العصور الإسلامية السابقة تعرضت للظلم والاضطهاد والاهانة من خلال ثقافة ذكورية جعلت منها متاعا للذكر وخادمة له، ووصفها بأنها ناقصة، كما جعلت هذه الثقافة الموروثة أكثر أهل جهنم من النساء.
وما كان من الدكتور شحرور إلا أن شمر عن ساعديه وأطلق في عام 2000م كتابه "نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي - فقه المرأة" تفصيلا لما كان قد أشار إليه في كتابه الأول "الكتاب والقرآن- قراءة معاصرة" عام 1990م، في الباب الثالث: أم الكتاب والسنة والفقه، الفصل الثالث: الفقه الإسلامي. لقد بين في هذا الكتاب "فقه المرأة" معتمدا على المصدر الإلهي "التنزيل الحكيم" صورة المرأة كما أراد لها ربها، بأنها مساوية للرجل ندا لند في التكليف والجزاء.
حيث بدأ كتابه فقه المرأة متسائلا: أين مصداقية القول بأن الرسالة المحمدية هي الرسالة الخاتم للإسلام، وأنها لكل أهل الأرض قاطبة ولكل زمان ومكان؟!
واستهل الفصل الأول من الكتاب بوضع يده على أحد مفاتيح مشكلة فهم الوجود والتطور، وهي الكينونة والسيرورة والصيرورة. حيث كانت هذه الأفعال الثلاثة ومازالت محور الفلسفة، والعمود الفقري لكل الأبحاث الإلهية والطبيعية والإنسانية، باعتبار أن الكينونة هي بدء الوجود، والسيرورة هي حركة سير الزمن، والصيرورة هي ما انتهت إليه الكينونة الأولى بعد مرورها بمرحلة السيرورة.
إن محوري الكينونة والسيرورة كشكل مستوٍ يمثلان الوجود بمركباته، أما محور الصيرورة فيمثل التطور والتحول في هذا الوجود، وهذا ما نراه واضحاً جلياً منذ لحظة الانفجار الكوني الأول، حيث ظهرت الفوتونات فقط، ثم تحول قسم منها إلى هيدروجين، ثم إلى هيليوم، ثم إلى عناصر رئيسية، تجمعت لتنتج مركبات غير عضوية، ثم مركبات عضوية، ثم كائنات حية بأبسط صورها (وحيدة الخلية)، إلى أن ظهر البشر على الأرض، ثم الإنسان، وما زال هذا الكون بكينونته وسيرورته في مرحلة صيرورة مستمرة لا تتوقف.
وفي الفصل الثاني الذي استهله بتاريخ السنة النبوية وتاريخها، اقترح أسسا جديدة للفقه الإسلامي وأسهب القول في الشورى والديمقراطية وأكد على أن المجتمع المدني هو الحل.
وفي الفصول الثالث والرابع والخامس وضح حق المرأة المسلوب في والإرث والقوامة والحضانة حتى بلوغ سن الرشد للأولاد، وحدد متعة المطلقة بنصف مال الزوج المكتسب خلال زواجهما، وبيت الزوجية من حق المرأة في حال الطلاق حتى وإن كان المالك هو الزوج، ويفقد هذا الحق في حال الفاحشة.
ونوجز ما ذكره في الفصل الثالث، والذي عنوانه "الوصية والإرث"، في النقاط التالية:
- الوصية مقدمة
على الإرث في عملية نقل الثروة
- الوصية كتبت على الناس كما كتب
الصوم والصلاة.
- الوصية جاءت تكليف على كل أهل
الأرض {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين
والأقربين بالمعروف حقا للمتقين}.
- جميع أهل الأرض يوصون الآن إلا
المؤمنين.
- ساحة الوصية مفتوحة، وهي خاصة لكل
واحد بينما الإرث قانون عام بينما ساحته خاصة.
- {وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه
وقولوا قولا معروفا} أي عند كتابة الوصية.
- قاعدة "لا وصية لوارث":
خاطئة لأنها تعارض التنزيل الحكيم.
- الأساس في المواريث هو الأنثى
والذكر تابع لها. أي أن الأنثى هي الأساس.
- لا يرث إلا من ذكر في الآية،
فالأخوال والأعمام لا يرثون.
- البنت إذا كانت واحدة أو مجموعة
بنات فلها أو لهن جميع التركة.
- القرآن لم يذكر حالة الجنس الواحد
لأن الإرث يوزع بالتساوي بينهم أو بينهن.
- {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا}، هذا الجزء من الآية يتحدث
عن الأصول مهما علو والذين يدخلون في قوله تعالى {آباؤكم}، والفروع مهما نزلوا الذين
يدخلون في قوله {أبناؤكم}.
وفد فرّق الدكتور شحرور بين معنى لفظي "النصاب" و "الحظ"، ولفظي "أكثر" و "فوق". فالنصاب يكون
معلوم القدر، مثل نصاب الزكاة والوصية، أما الحظ فمجهول القدر، مثل الإرث .
ولفظ "أكثر" يشير إلى عدد صحيح، بينما "فوق" يشير إلى عدد
عشري أو كسري .
وفد فرّق الدكتور شحرور بين معنى لفظي "النصاب" و "الحظ"، ولفظي "أكثر" و "فوق".
واستند الدكتور شحرور على ثلاثة أحكام:
1- الحد الأول {للذكر مثل حظ
الأنثيين}
2- الحد الثاني {فإن كن نساء
فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك}
3- الحد الثالث {وإن كانت واحدة
فلها النصف}
كما استعمل الدكتور شحرور في تقسيم الإرث
المعادلات الرياضية الحديثة، وهي:
1. نظرية المجموعات (الرياضيات الحديثة) مجموعة الذكور ومجموعة الإناث.
وبعدها استعمل الزمر والتي هي حالة خاصة من المجموعات.
2. الرياضيات التحليلية .
3. الكم المتصل (الهندسة التحليلية) (معادلة قطع زائد) .
4. نظرية الاحتمالات .
وباستخدام المعادلات الرياضية الحديثة انتهت مشكلتا الرد والعول.
وباستخدام المعادلات الرياضية الحديثة انتهت مشكلتا الرد والعول.
وفي الفصل الرابع كان الحديث عن التعددية الزوجية والتي حصرها بالأرامل ذوات الأيتام اعتمادا على قوله تعالى: { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا} (النساء 3). ومما قاله في هذا الفصل: إن من الخطورة على المجتمع من خلال العلاقات الأسرية أن نعزل مسألة التعددية اليوم عن المحور الأساسي الذي ارتكز عليه الأمر الإلهي بالتعددية، وهو محور اليتامى، ونجعل منها مسألة ترسخ الذكورية، وتطلق يد الرجل بالزواج متى شاء مثنى وثلاث ورباع، في مجتمع غير محارب يتوازن فيه تقريبا عدد الذكور بالإناث. ومن الخطورة الأكبر أن نبتدع، كما يفعل بعض فقهاء اليوم، مبررات للرجل تسوغ له الزواج بأربع تحت عناوين ركيكة حينا، ومضحكة حينا آخر، وظالمة في كل الأحيان.
في حين ضم الفصل الخامس موضوع القوامة، والذي كان لبه تأويل الآية: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا} (النساء 34)، وفيه حدد الدكتور شحرور معنى مصطلحي "الرجال" و "النساء". فالرجال هم المتمكنون إداريا وماليا ومعنويا سواء كانوا ذكورا أو إناثا، والنساء ما تلى أو ما تأخر عنهم في التمكن والإمكانية. وعليه فإن مصطلح "الرجال" يطلق على الذكور وعلى الإناث. وكذلك لفظ "النساء" يطلق على الذكور أو الإناث.
ولنتأمل هذه الآيات:
- {بما فضل الله بعضهم على بعض} للتأكيد لم يقل بعضهم على بعضهن وإنما بعضهم على بعض أي ذكور وإناث.
- {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا} وهنا المقصود بـ"رجالا" الذكور والإناث.
- {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}، وأم عمار هي أول القتلى في سبيل الله.
وهنا يتضح أن للقوامة شرطين:
وهنا يتضح أن للقوامة شرطين:
1. الكفاءة الإدارية {بما فضل الله بعضهم على بعض}
2. الكفاءة المادية {وبما أنفقوا من أموالهم}
ولعل أكثر الأمثلة وضوحا هي البيت النبوي الأول، حيث كانت القوامة لأم المؤمنين خديجة عليها السلام على النبي ﷺ.
ولعل أكثر الأمثلة وضوحا هي البيت النبوي الأول، حيث كانت القوامة لأم المؤمنين خديجة عليها السلام على النبي ﷺ.
والنشوز هو الاستعلاء والاستكبار، ولا ينشز إلا المرأة الصالحة للقوامة. {فالصالحات} أي للقوامة وهذه الحالة الأولى التي تكون فيها القوامة للمرأة. والمرأة الصالحة هي التي تكتم ما يدور في بيتها وتحفظ لزوجها كرامته ولا تستغل قوامتها لإهانته، وإن استبدت وتحكمت (نشزت) فيمكن هجرها (إن كانت زوجة، فقد تكون أخت)، أو ضربها أي سحب القوامة منها، {واضربوهن} لا تعني أبدا الضرب الجسدي، كقولنا مثلا "ضرب بيد من حديد"، أو ضرب عليها بمعنى شطبها، وفي الآية التي تلي يضع حلا أخيرا هو تدخل الأهل. وكثيرا ما نرى هذه الحالات في حياتنا اليومية، إذ يمكن أن تكون الأخت أو الزوجة هي التي تعمل وتنفق على المنزل، ويكون القرار لها فيه، فإن كانت زوجة ونشزت بمعنى استغلت وضعها وتكبرت فللرجل أن ينصحها أولا ثم يهجرها ثم يسحب منها القوامة، أي الضرب بمعنى اتخاذ موقف حازم. أما إن كانت القوامة للرجل أصلا فتكون هذه الحلول لا معنى لها.
أما الفصل السادس فقد خصصه للحديث عن اللباس، وفيه لم ينكر الدكتور شحرور الأعراف الإجتماعية في اللباس والزينة، ولكنه رفض أن يكون اللباس الاجتماعي لنساء شبه الجزيرة العربية في القرن السابع زيّا إجباريا للنساء المسلمات في كل زمان ومكان، وهذا ما كانت عليه المنظومة الفقهية الموروثة.
{وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن ...} (النور 31).
إن الأمر في هذه الآية بتغطية الجيوب، إذ أن الزينة هي الجيوب. والجيب هو شق
بين جدارين، أما الخمار فهو ما يغطي الجسم، واصطلح العرب على أنه غطاء الرأس.
والجيوب نوعان: جيوب ظاهرة وجيوب مخفية. فالجيوب الظاهرة هي جيوب الوجه واليدين
والرجلين، وجيوب الوجه هي العيون والفم والذقن والأذنين، وهذه الزينة هي هوية
المرأة، ولا يجوز أصلاً تغطيتها. أما الزينة المخفية فهي بين النهدين وتحت النهدين
وتحت الإبطين (الجيوب العلوية) والفرج والإليتين (الجيوب السفلية) فيجب تغطيتها،
هذا فيما يتعلق بالحد الأدنى من اللباس. أما الحد الأعلى فهو تغطية الجسم كله
ماعدا الوجه والكفين، ومعظم نساء أهل الأرض تلبس بين هذين الحدين، ونساء شبه الجزيرة
العربية كانوا يرتدين ثيابا مفتوحة الصدر، ويضعن غطاء رأس، فجاء الأمر بتغطية
الجيوب. وهذا يقودنا إلى الأصل في اللباس ألا وهو دفع الأذى سواء أكان الأذى الطبيعي
أم الأذى الاجتماعي {أن يعرفن فلا يؤذين}. إذن، لباس الخروج الاجتماعي للمرأة هو
ابتداء من الحد الأدنى وهو حسب أعراف المجتمع الذي تعيش فيه وحسب ظروف الزمان
والمكان بحيث لا تتعرض للأذى الاجتماعي، ويتدرج حتى يبلغ حده الأعلى بإظهار الوجه
والكفين فقط. وأما غطاء الرأس بالنسبة للرجل أو المرأة ليس له علاقة بإسلام ولا
بإيمان وهو يتبع أعراف المجتمع بشكل كامل. وهكذا نرى حنيفية الإسلام في اللباس،
لذا جاء اللباس الخارجي وهو الجلباب كتعليم من باب النبوة {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين..} (الأحزاب 54).
وختم كتابه بالدعوة إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية بالنسبة للمرأة في كثير من البلاد العربية والإسلامية في منحها حق إعطاء الجنسية لزوجها من غير مواطني الدولة التي تنتمي إليها وكذلك لأولادها. وهذا الحق مازال محصورا بالرجل في معظم البلاد العربية إن لم يكن كلها، مما يؤكد ذكورية المجتمعات العربية إلى اليوم، وأن المرأة مازالت مواطنة من الدرجة الثانية.
لا ننسى أن ما تناوله مهندس القراءة المعاصرة في هذا الكتاب هو سبب رئيس في ما تعرض له الدكتور شحرور من هجوم المؤسسات الدينية ومؤسسات الإفتاء والفقهاء في هذا العصر، لأنه تعرض لما يمثل للفقهاء "بقرتهم المقدسة" ألا وهو الفقه، وما أدراك ما الفقه الإسلامي !
وختم كتابه بالدعوة إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية بالنسبة للمرأة في كثير من البلاد العربية والإسلامية في منحها حق إعطاء الجنسية لزوجها من غير مواطني الدولة التي تنتمي إليها وكذلك لأولادها. وهذا الحق مازال محصورا بالرجل في معظم البلاد العربية إن لم يكن كلها، مما يؤكد ذكورية المجتمعات العربية إلى اليوم، وأن المرأة مازالت مواطنة من الدرجة الثانية.
لا ننسى أن ما تناوله مهندس القراءة المعاصرة في هذا الكتاب هو سبب رئيس في ما تعرض له الدكتور شحرور من هجوم المؤسسات الدينية ومؤسسات الإفتاء والفقهاء في هذا العصر، لأنه تعرض لما يمثل للفقهاء "بقرتهم المقدسة" ألا وهو الفقه، وما أدراك ما الفقه الإسلامي !
***********************
المراجع
1. محمد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه
الإسلامي - فقه المرأة، دار الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، سوريا،
الطبعة الأولى 2000 م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق