وبدأت الحرب! ذلك حدث
وقع ويقع على الرغم من تناقضه التام مع العقل ومع الطبيعة البشرية. ولقد اقترف
ملايين البشر جرائم وأعمال خداع وغش وسرقة وفتن لا حصر لها، بعضهم ضد بعض .. لكنها
لم تُعتبر جرائم وقت اقترافها.
- ليو تولستوي ،
الحرب والسلام
ومع الإيمان الراسخ بأن ساحة الحرب لا تفرز إلا الموت أو ما يشبهه ويكثّره، يتبادر إلى الذهن سؤال مفاده: لمَ الحرب؟ أو بصيغة أخرى: من المستفيد من هذه الحرب؟
قد تبدو الإجابة على هذا السؤال صعبة التحديد!
لكن! ماذا لو تغير السؤال، وقيل: من المتضرر من الحرب؟
لكن! ماذا لو تغير السؤال، وقيل: من المتضرر من الحرب؟
سيكون الجواب هو الشعوب التي تطحنها الحرب
وتشردها وتبعث فيها الموت والحزن والجوع والفقر والمرض وكل ما من شأنه أن يتسبب في هلاكها.
إن الحرب وأسبابها وتبريراتها تصدر من أصحاب
السلطة. ومن المعلوم أن الحرب لا تطال أصحاب السلطة، فهل هم المستفيدون من اندلاع الحرب على حساب
هلاك الشعوب؟ ثم لماذا صارت هذه الشعوب تشارك في الحرب إذا كانوا لا يجنون منها إلا
الهلاك؟
لعل من أقدم أساليب المستبدين والطغاة لإلهاء
الشعوب هو الزج بأفراد شعوبهم في حروب غير مبررة، ولكي يُقدموا على القتال والاقتتال بكل بسالة
فما على القادة العسكريين والسياسيين إلا اقناع الشعوب بقدسية الحرب وأنها تنفيذا لأوامر
الله أو حفظا للدين، أو أنهم عرضة لهجوم من قِبل العدو الذي يتربص بهم وبمقدساتهم.
إن الشعوب والتي قد تربط بين أفرادها علاقات
الجوار والصداقة وحتى النسب والتبادل التجاري والثقافي، هذه الشعوب عندما تخوض حربا فيما بينها،
فإن هذه الحرب لن تنتج في نفوس هذه الشعوب وذاكرتهم إلا تلك المشاعر السلبية ذات الطابع
العدائي والوحشي، والمليئة بمشاعر الكراهية والانتقام.
ولعل انخراط الأفراد في الجيش النظامي لأي
دولة في هذا العصر هو الطريق الذي من خلاله يتم تجنيدهم للمشاركة في الحروب. ثم إن
هؤلاء الأفراد ما إن ينضموا إلى الجيش حتى يصبحوا أدوات في أيدي القادة العسكريين،
ومن هنا يبدأ تشييئ الأفراد الذين يسهل بعد ذلك تحويلهم إلى أدوات عنف وقتل.
وإذا كانت الشعوب لا تجني من الحرب إلا
الويلات، فهل هناك من يبارك الحرب؟
لن يبارك الحرب إنسان يتمتع بعقل واع،
ولا مثقف إنساني قرأ في كتب التاريخ والحضارات والأخلاق، ولا متدينٌ فهم كتابه المقدس!
إن الحمقى سواء أكانوا أصحاب مصلحة كرجال الاقتصاد أو السياسة أو رجال دين، أم كانوا من المثقفين الخونة كما وسمهم إدوارد سعيد، أم كانوا من عامة الناس الذين تحكمهم العاطفة لا العقل؟ كل أولئك الحمقى يمثلون الأدوات التي يستخدمها أصحاب السلطة لمباركة
الحرب والتطبيل لها، وكم يمتدح الحرب ذاك الذي لا يخوضها. ألا تعس المطبلون، ألا تعسا لأبواق الحروب!
ويقابل هؤلاء المطبلين، في الضفة المضادة، أناسٌ من ممثلي الإنسانية
الخيّرة التي تسعى ضد أسباب هلاكها، إنهم كارهو الحرب، الذين يدعون إلى إطفاء لهيب
هذه الشر المكروهة الملعونة والمجنونة. إن الذين ينادون بتفادي الحرب يتمتعون بشجاعة
لا مثيل لها؛ ذلك أن الداعي إلى إخماد الحرب يسير عكس التيار الجمعي الأعمى ويصرخ في
وجه الإعلام المؤجج والمسيّر من قبل أصحاب السلطة والمال، وما أكثر الكذب الذي تنهق
به وسائل الإعلام في أوقات الحروب!
إن بغض الحرب هو تمجيدٌ للحياة وللإنسان
وللحضارة والأخلاق؛ كما أن الحرب هي دمار للحياة على هذا الكوكب ولكل قيمة إيجابية
صنعها العقل الإنساني. ولعل من الملاحظ أن كل الدول تؤكد على أنها تسعى إلى الأمن الداخلي
وإلى السلام مع الدول المجاورة لها، ومع ذلك فكل دولة تتسلح ضد جارتها، وليس أوضح على هذا مما يحصل اليوم في الشرق الأوسط. بل أفظع من ذلك، هو ما يحدث في دولنا العربية، حيث أصبح
في داخل الدولة نفسها يتم تسليح الطوائف (أو الأحزاب، الجماعات) لمواجهة أبناء الوطن المنتمين
لطائفة أخرى، وكأن هذه الطوائف والأحزاب اتخذت من العنف والقتل والدمار وسيلة للتفاهم مع ابن
الوطن الآخر المخالف في المذهب أو الديانة.
ألا تعس المذهبيون وتعست تجارتهم!!
يقول روبرت فيسك: إن المسؤولين يريدون لمواطنيهم أن يروا الحرب وكأنهم ينظرون إلى
مسرحية تحصل بين الأضداد، بين الخير والشر، "بيننا" و
"بينهم"، بين النصر والهزيمة. ولكن الحرب ليست فعلا بين النصر والهزيمة،
ولكن بين الموت وفرض الموت على الآخرين، إنها تمثل الإخفاق الكامل لروح الإنسانية.
وفي الختام يقول إرنست همنغواي: لا تظن أن الحرب مهما كانت ضرورية أو كانت مبررة، ليست جريمة.
وفي الختام يقول إرنست همنغواي: لا تظن أن الحرب مهما كانت ضرورية أو كانت مبررة، ليست جريمة.
نعم .. إن الحرب جريمة الإنسان ضد الإنسان وضد
الحياة، وإن الناس عندما تُكوى بنار الحرب ستلعن الحرب، وستلعن كل الذين يؤججون نعرة
الطائفية والانقسام والاقتتال، فاحرص على أن لا تكون من الملعونين. ولتكن من
المؤمنين بالحياة وبالاختلاف وبالتعايش وبالسلام. واجعل قاعدتك في الحياة: عامل
الآخرين كما تحب أن يعاملوك، ولا تفعل بالآخرين ما لا تحب أن يفعله الآخرون بك.
-------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق