إلى اليوم ما زال العرب من أتباع الرسالة المحمدية ينظرون إلى التاريخ على أنه تاريخ الصراع بين الإسلام1 والآخر، وأن هذا الصراع قائم ما قامت البشرية. وليس ذاك فقط، بل إن الصراع بين طوائف هذا الدين قائم وإن فتر في لحظات من التاريخ إلا أنه موجود، وقد نشط بشكل جدّي خلال النصف الثاني من القرن العشرين وإلى اليوم، فكل طائفة تكفر الأخرى وكل منها ترى أنها هي الإسلام الحق؛ وهي فقط!.
إذن، هو تاريخ الصراع، والإسلام مُحارب ويجب نصرته، هكذا يلقّن الشاب المتحمس روحيا والميت فكريا. وهدف هذا التلقين هو تقديم برهان أن هذا الصراع لن ينتهي إلا بانتصار الإسلام، فالإسلام هو الحل. ويجب في النهاية أن تنتصر هذه الرؤية وفقاً للضرورة التاريخية والتي تقول بأن عودة الخلافة الإسلامية أمر حتمي.
فعندما يخدع الشاب بأن الإسلام والخلافة الإسلامية هي الحل ويعتقد في ذلك فإنه يشعر بأن عليه التزاما أخلاقيا عميقا، حتى وإن كان الإسلامويون2 كثيرا ما يكذبون ويستخدمون وسائل قبيحة وذميمة، تتقزز منها النفوس السوية.
ولمّا كان حدوث الخلافة الإسلامية ضرورياً ومطلباً دينياً (كما يروجون)، كانت المقاومة ضد حدوثه بمثابة عمل إجرامي آثم، فمن واجب كل شخص أن يشجع ويساعد على رجوع الخلافة الإسلامية كما كانت في السابق.
ولمّا كان المرء وحده ليس قويا بدرجة كافية تمكنه من أن يبلغ هذا الهدف، كان لابد أن يعمل في إطار حركة منظمة أو جماعة أو من خلال حزب مبدؤه الإسلام، ويسانده مساندة مخلصة حتى وإن أيد هذا الشاب أشياء يَشمئز منها أخلاقياً.
هذا التأييد يؤدي بالضرورة إلى فساد شخصي أخلاقي. فالمرء يتجرع حيلاً وأعذاراً وأكاذيب عقلية إضافية، بحيث متى تخطّى المرء بعض العقبات أصبح مستعداً لكل شيء آخر.
هذا هو الطريق المؤدي إلى الإرهاب وإلى الجريمة.
هل سأل هذا الشاب نفسه هذه الأسئلة: هل يعرف أن هذه الخلافة الإسلامية تصدق بالفعل؟ هل تحققت بالفعل بطريقة نقدية مما يرددون؟ هل يمكنه تحمل مسؤولية تعريض حياة الناس للموت؟
هذا الشاب لم ينشأ على النقد أو السؤال، فأنظمتنا التعليمية لا تفرز إلا التبعية والقبول بما يُعطيه معلمه حتى وإن لم يكن مقتنعاً بما سمعه أو قرأه (إن قرأ) [لأن المعلم كاد أن يكون رسولا]. كما أن الخطاب الذي نسمعه في المدارس والجامعات وكذا خطب الجمعة والقنوات التلفزيونية وغيرها تكرّس هذه التبعية العمياء، بل وتجرد الإنسان من عقله الذي وهبه الله تعالى، وهنا معضلة أخرى!
لنفرض أن هذا الشاب سأله نفسه تلك الأسئلة !! ماذا سيكون جوابه؟
سيجد الشاب بأن الإجابة بـ "لا" هي الإجابة الصادقة الوحيدة على هذه الأسئلة.
لقد اعتمد الشاب على أناس آخرين يرى عليهم سمات التدين والذين بدورهم اعتمدوا على آخرين، وهكذا، بأن الإسلام والخلافة الإسلامية هي الحل.
ليس الشباب فقط، بل حتى من هم في قيادة الجماعة أو الحزب (المفلسين فكرياً) يتم إغواءهم بالكذب دون أن يكونوا على وعي به. ولنا في ما قالته وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون وشاهدناه على اليوتيوب دليل، حيث قالت: لقد عملنا على جلب الكثير من المجاهدين من الطائفة الوهابية الإسلامية في السعودية وغيرها لنتمكّن من هزيمة الاتحاد السوفيتي.
https://www.youtube.com/watch?v=9_2B0S7tj9E&feature=youtu.be
https://www.youtube.com/watch?v=9_2B0S7tj9E&feature=youtu.be
لقد اُستخدموا في حرب بالوكالة دون أن يُدرك الراعي أو القطيع.
وبالرغم من أن هدف وغاية الخلافة الإسلامية هو ضمان وجودها، والترويج لها باستخدام شعارات دينية مثل تطبيق الشريعة والجهاد والنصرة للدين وغيرها، إلا أن لهم أفكار وأفعال كارثية خلاصتها:
- سائر البشر بخلاف هؤلاء الذين يكافحون من أجل الإسلام والخلافة الإسلامية لا ينشدون إلا مصالحهم الشخصية، وإذا أنكروا هذا، فهم منافقون يوالون أعداء الإسلام.
- هؤلاء مجرمون وذلك أنهم متى حاولوا منع حدوث الخلافة الإسلامية، فإنهم يحملون عندئذ ذنب سائر ضحايا هذا الكفاح.
- إن مقاومة حدوث الخلافة الإسلامية الحتمية هو ما يجعل الجماعة أو الحزب مضطر للبطش.
- إن طمع وجشع المنافقين المجرمين هو ما يجبر رجال الجماعة أو الحزب على إراقة الدماء.
* إذا سمعت أحدهم يقول: "ما تفعله داعش ليس خلافة إسلامية"، فاعلم أنه يحتاج لمن يرشده لقراءة التاريخ، ومما ذكره التاريخ فيه:
- ثلاثة من الخلفاء الراشدين قتلوا، وهم عمر وعثمان وعلي.
- عدد القتلى في موقعة صفين بلغ سبعين ألفاً (قُتلوا ولم يموتوا بسبب الملاريا).
- هاجم الأمويون المدينة المنورة في حكم يزيد وقتلوا من أهلها واستباحوا ألف عذراء في موقعة الحرة عام 63هـ.
- خطب عبدالملك بن مروان بالناس وقال كلمته المشهورة: والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه.
- أبو العباس السفاح صاحب المقولة الشهيرة: والله ما أكلت أشهى من هذه الأكلة قط، هل تعرف مناسبة هذه المقولة؟!
وتطول القائمة بما يحمل التاريخ الإسلامي من أفعال لا تعكس روح الإسلام.
هكذا يخدع الشاب بأن الخلافة الإسلامية هي الحل
وفي الختام تعدد اللآراء نعمة لم نعشها جيداً إلى الآن (وقد يكون السبب أننا لم نتعلم أو نمارس تلك النعمة وبالتالي كفرنا بها)، لننظر إلى هذا الرأي الذي يقول به الشيخ علي عبد الرازق في كتابه (الإسلام وأصول الحكم): "إن القرآن والسيرة النبوية والأحاديث ليس فيها ما يثبت الخلافة"، ويعلل ذلك بقوله: "وكل ما جرى من أحاديث النبي ﷺ من ذكر الإمامة والخلافة والبيعة إلخ لا يدلّ على شيء أكثر مما دلّ عليه المسيح حينما ذكر بعض الأحكام الشرعية عن حكومة قيصر". وهو يفسر الأحاديث التي تدعو إلى طاعة الإمام بالآتي: "وإذا كان صحيحاً أنّ النبي ﷺ قد أمرنا أن نطيع إماماً بايعناه، فقد أمرنا إلهه تبارك وتعالى كذلك أن نفي بعهدنا لمشرك عاهدناه، وأن نستقيم له ما استقام لنا، فما كان ذلك دليلاً على أنّ الله تعالى رضي الشرك، ولا كان أمره تعالى بالوفاء للمشركين مستلزماً لإقرارهم على شركهم".
-------
* هذه زاوية ضيقة جدا لكيفية عمل الجماعات والأحزاب السياسية سواءً ذات الخلفية الدينية أو الاجتماعية لتجنيد الشباب [كارل بوبر: إغراء الشباب بالأيديولوجية الماركسية].
1. الإسلام هنا يعني الشائع عند الناس بأنه الدين الذي جاء به محمد ﷺ، وليس المصطلح القرآني. http://www.shahrour. org/?page_id=749
2. الإسلامويون: هم السياسيون الذين يوظفون الدين الإسلامي.
3. مجموعة تغريدات وهي لا تعكس الإسلام كتعاليم ودين إلهي، هي فقط تعطي صورة عن بعض الأحداث التي تؤكد بشرية تاريخ المسلمين.
https://twitter.com/KhaledMohajer/status/646657509885743104
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق