السبت، 24 ديسمبر 2016

عجبٌ أمركم أيها المسلمون المؤمنون!

عجبٌ أمركم أيها المسلمون المؤمنون!
عجبٌ حالكم الذي تعيشون!
عجبٌ ما يُصنع بكم وما تصنعون!
أأنتم مخدرون؟ منومون؟ معزولون؟
بربكم! ألا تتفكرون؟!
أم زُيّنت لكم أعمالكم فأنتم تعمهون؟!

كتابكم واحد، فلمَ أنتم مختلفون؟!
لمَ لا تحتكمون إليه فترتاحون وتريّحون؟!
لمَ أنتم عن كتابكم عازفون؟
وإلى غيره تحتكمون؟!
أفيه نقصٌ فأنتم إليه حديثا تضيفون؟
أم فيه زيادة فأنتم من آياته تنسخون؟

لمَ أنتم للحي لا تمتثلون؟
أم أنكم من الأموات تخافون؟
إنهم بشر مثلكم، فلمَ تُقدسون؟
أوليسوا يصيبون ويخطئون؟!
فلمَ بين كلام الله وبين كلامهم تساوون؟

ما بكم عن واقعكم غافلون؟!
أم أعمتكم مصالح الدنيا فأنتم الحقَّ لا تبصرون؟!
إنكم وراء المصلحة تلهثون!
لا تعتذروا اليوم، فأنتم غير أنفسكم لا تعبدون!
سواء أقررتم بهذا أم كنتم له جاحدون!!
غرتكم الحياة الدنيا وما تشعرون!

ثم ما مصيركم الذي تتوقعون؟
ألا ترون أنكم للموت ذاهبون؟!
وإلى المقابر جماعات تساقون؟
"ما لكم كيف تحكمون"؟

أتبصرون؟
أتسمعون؟
أتعقلون؟
أكرر: أتعقلون؟!
للمرة الثالثة: أتعقلون؟!!

خاتمة:
- الحياة لا تعبأ بالحمقى!

الجمعة، 16 ديسمبر 2016

رسالة من أوزبك إلى حسن درويش بجبل مارون

أيها الدرويش الحكيم ذو العقل المتأمل، المضيء بالمعارف الكثيرة، استمع لما أقصه عليك: هناك فلاسفة لا يصِلون - في الواقع - إلى ذروة التفكير الشرقي، ولا ينجذبون إلى العرش المنير ليستمعوا إلى تسبيح الملائكة الذي يرنّ في الملأ الأعلى، ولا يدركون غضب الجبار، وهم موكولون إلى أنفسهم، محرومون من الألطاف الإلهية، ويتبعون في صمت نتائج التفكير الإنساني.

إنك لا تتصور إلى أي مدى يقودهم هذا القائد (العقل البشري)، إنهم كشفوا الفضاء، وشرحوا بالميكانيكا البسيطة نظام الهندسة الإلهية. وأن خالق الكون أعطى المادة حركتها، فلم تعد ضرورة إلى شيء أكثر من هذا لينشأ هذا التنوع العجيب للآثار التي نراها في العالم.

إن المشترعين العاديين يقدمون لنا قوانين تنظيم المجتمع الإنساني؛ قوانين تتعرض للتغيير، كتغير العقول التي تقترحها، والشعوب التي تتبعها. وهولاء الشرقيون لا يحدثوننا إلا  عن القوانين العامة الثابتة الدائمة التي ترعى دون أي إستثناء، وتمضي في نظام وثبات وسرعة لا حد لها في الأكوان العظيمة الفسيحة.

وما تظن أن تكون هذه القوانين يا ولي الله؟ ستتخيل أنك داخل في الملأ الأعلى وسيملكك العجب من لطف التدبير وسموه. وستأبى - قبل كل شي - أن تفهم، ولن يكون منك إلا الإعجاب.

ولكنك من فورك ستغير رأيك: فكل ما ترى من الأشياء لا يبهرك مطلقا بجلال زائف. بل إن البساطة جعلتها غير معروفة أمدا طويلا، ولم يعرف مدى سعتها وخصبها إلا بعد تفكير عميق؛ فأول حقيقة هي أن كل جسم يأخذ في رسم خط مستقيم ما لم يقابل عقبة تعترضه فترده. والثانية، وما هي إلا متممة للأولى، هي أن كل جسم يدور حول مركز يأخذ في البعد عنه، لأنه كلما ابتعد الخط المرسوم عن المركز كان أقرب إلى الخط المستقيم.

هاك أيها الدرويش السامي مفتاح الطبيعة! وهاك الأسس الخصبة التي تستنبط منها نتائج بعيده المدى كما سأريك في رسالة خاصة.

إن معرفة خمس حقائق أو ست جعلت فلسفتهم ملأى بالمعجزات، وجعلتهم يأتون بالعجائب والغرائب كالتي نرويها عن أنبيائنا عليهم السلام.

ولأنني أخيرا متأكد من أنه لا يوجد بين علمائنا من لا يرتبك إذا طولب بأن يزن في ميزان كل الهواء الذي يحيط بالأرض، ويقيس جميع المياه التي تسقط كل سنة على سطحها. كما لا يوجد من بينهم من لا يفكر أكثر من أربع مرات قبل أن يقول: كم فرسخا يقطعها الصوت في الساعة، وكم من الزمن يحتاج إليه شعاع الشمس ليصل إلينا، وكم طول المسافة بيننا وبين زحل، وأي انحناء يكون في مركب شراعي أفضل ما يكون؟

ولعل بعض الأتقياء إذا جمّل كتب هؤلاء الفلاسفة بكلمات سامية رفيعة، ومزجوها بمجازات جريئة، وكنايات لطيفة، فإنه بذلك يعد كتابا جميلا، لا يعترف بالتفوق عليه إلا للكتاب المقدس.

مونتسكيو - من باريس في 15 شعبان 1716
شارل لوي دي سيكوندا المعروف باسم مونتسكيو  Montesquieu، فيلسوف فرنسي صاحب نظرية فصل السلطات الذي تعتمده غالبية الأنظمة حاليا.

الجمعة، 9 ديسمبر 2016

الحب الحقيقي

"إن الحب هو اتحاد المرء مع شخص آخر، خارجه، على شرط إبقائه على انفصال ذاته وسلامتها. إنه تجربة المشاركة والاشتراك، التي تسمح بالتفتح الكامل لنشاط الإنسان الداخلي" .. إريك فروم 

لقد ساد اعتقاد (خاطئ) بأن الحب بين الزوجين هو نتيجة الاشباع الجنسي، وأن معرفة التكنيك الجنسي الصحيح يفضي إلى السعادة الجنسية والحب. وهذه الفكرة المغلوطة كانت نتيجة التحليل النفسي المتأثر بنظريات سيجموند فرويد. فالحب بالنسبة إلى فرويد هو في ماهيته رغبة جنسية. وقد تأثر فرويد بالفلسفة المادية في القرن التاسع عشر، والتي زعمت أن الظواهر النفسية لا بد أن تكون مترسخة في عمليات فسيولوجية تناظرها. لذا اعتقد فرويد أنه عثر على الأساس الفسيولوجي للعاطفة البشرية (الحب، الكراهية، الغيرة، .. إلخ) في الليبيدو أي في الغريزة الجنسية.

وأما عالم النفس الإنساني إريك فروم فيرى أن حاجات الإنسان وعواطفه تكمن في شمولية الوجود الإنساني. وتلك الحاجات التي يشترك فيها مع الحيوان مثل الأكل والشرب والنوم والاشباع الجنسي مهمة، ولكن اشباعها ليس شرطا كافيا لسلامة العقل والصحة الذهنية


وتعتمد سلامة العقل والصحة الذهنية للإنسان على إشباع الحاجات والعواطف الخاصة بالجنس البشري دون غيره، والتي تنشأ من شروط الوجود الإنساني، وهي تكمن في الحاجة إلى التواصل، والتجاوز، الترسخ، الحاجة إلى الإحساس بالهوية، والحاجة إلى إطار للتوجه والإخلاص. ولهذا فإن عواطف الإنسان الكبيرة، واشتهاءه للسلطة وغروره، وبحثه عن الحقيقة، وشغفه بالحب والأخوة، وتدميريته وكذلك إبداعيته، إن كل رغبة قوية تحرض أعمال الإنسان هي راسخة الجذور في هذا المصدر البشري وليس في مراحل الليبيدو المتنوعة عنده كما افترض تأويل فرويد.


إن الحب لا يكون ممكنا إلا إذا تواصل شخصان معا من مركز وجودهما، ومن ثم إذا عاش كل منهما بنفسه من مركز وجوده. في هذه "الإعاشة المركزية" تكمن الحقيقة الإنسانية، وهنا فقط يوجد أساس الحب. والحب معاشا على هذا النحو، هو تحدّ دائم. إنه ليس مستقرا للراحة، بل هو تحرك ونمو وعمل مشترك. حتى إذا كان هناك تناغم أو كان هناك صراع، إذا كان هناك فرح أو كان هناك حزن، فهي مسألة ثانوية بالنسبة للحقيقة الأساسية. إن شخصين يعيشان نفسيهما من ماهية وجودهما، إنهما يكونان واحدا كل منهما بالنسبة للآخر، عن طريق أن يصبحا واحدا مع نفسيهما بدلا من الهرب من نفسيهماولهذا فإن في الحب يمكن تحقيق الاندماج مع شخص آخر، ويمكن قهر الشعور بالعزلة. كما أن الزوجين يشتركان في العطاء، حيث يعطي كل منهما الآخر، وبهذا العطاء يقهران النزوع إلى الأنانية (النرجسية) والتبعية واستغلال الآخر.


وإذ يؤكد فروم على أن الحب فعل للإرادة والالتزام، فإنه لا يرى أهمية ما إذا كان الزواج بين الشريكين كان من ترتيب الآخرين أو نتيجة الاختيار الفردي، لأنه إذا ما تم الزواج، فيجب على فعل الإرادة أن يضمن استمرار الحب. وهذا هو الأساس المنطقي وراء العديد من أشكال الزواج التقليدي الذي لا يختار فيه الشريكان بعضهما، ولكن جرى اختيارهما لبعضهما، ومع هذا يجري التوقع أن يحبا بعضهما.

ومن وجهة نظر التحليل النفسي فإن البريطانية جوان ريفيير* تقول: إن ما نسميه الحب الحقيقي هو حالة يمتزج فيها عاملان: الحب والرغبة الجنسية، ولا يشكلان سوى عامل واحد، هذه الحالة تنجم عن واقع مفاده كمال الحب لدى الرجل والمرأة، الذي يمكّنه (أي الحب) أن يشبع الرغبات المتبادلة ويرضيها. والحب المتبادل يكوّن ضمانا مضاعفا بالنسبة لكل شريك من الشريكين. فحب الآخر، إذا انضاف إلى حب الفرد نفسه، يضاعف احتياطات الحب والهناء، وبالتالي يضاعف احتياطات الضمان ضد الألم ونزعة التدمير والتعاسة الداخلية. يضاف إلى ذلك أن كل شريك من الشريكين يجدد الرغبة الجنسية لدى الآخر بفعل ما يؤمّنه من إشباع للحاجات الجنسية، وهذه الرغبة الجنسية، وهي ألمٌ كامن ومصدر نزعة التدمير، تصبح لذة مطلقة ومصدر الهناء.

وخلاصة القول أن الحب الحقيقي بين الزوجين هو إيمان كل واحد منهما بنفسه وثقته بالآخر على قدرته على الحب، وهو نشاط وسعي للاندماج الكامل، للاتحاد مع بعضهما؛ ينتج عنه إشباع الرغبات المتبادلة والسعادة، وهو كذلك تجربة أن يصيرا شخصا واحدا ويظلان شخصين في الوقت ذاته؛ فينتج عنه الاهتمام والمسؤولية والاحترام**، وهو أيضا فعلٌ للإرادة بأن يحبّ كل منهما الآخر؛ والالتزام بأن يستمر الحب بينهما وهذا يعني استمرار حياتهما الزوجية. 

وفي الختام نتذكر ما قاله الشاعر الروسي بوشكين:
حيث لا حب، لا يُعرف المرح
وتافهة هي الحياة؛ ولا تحمل أية متعة 
********
* جوان ريفيير (1883 - 1962) ساهمت في التحليل النفسي خاصة المدرسة البريطانية.
** الاحترام (وفقا لجذر الكلمة Respicere = التطلع إلى) يعني أن انظر إلى الآخر كما هو، موضوعيا، لا تحرفه رغباتي ومخاوفي. كما أن الاحترام يعني الاهتمام بأن الشخص الآخر إنما ينمو ويتكشف على نحو ما هو عليه. وهكذا يتضمن الاحترام عدم وجود الاستغلال.
==========
المراجع 
  1. إريك فروم، فن الحب، ت. مجاهد عبد المنعم مجاهد، دار العودة، بيروت، لبنان، 2000م.
  2. ميلاني كلاين وجون ريفيير، الحب والكراهية، ت. وجيه أسعد، دار البشائر للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، سوريا، 1993م.