الأربعاء، 22 يونيو 2016

‏إني لأعجب .. إدريس جماع

والخائضين الحرب من  **  أجل المطامع والدمـاء
ليـس الـخـراب بـطـولة  **  إن البطـولة في البنـاء


- الشاعر السوداني إدريس محمد جمّاع (19221980)

وفي ديوانه "لحظات باقية" يقول: 

1. إنـي لأعجـب 

عجبـاً أتحتمـل الـحيــاة برغـم أشتـات الصــور
ورحابها تبـدي الجمـال جمـال نفـس أو بصــر
والـفكــر والإبـداع والفـن الـخصيـب المبتـكــر
والحـب والأحـلام نشــوى والأغانـي والسمــر
وبها النضارة والنـدى والنهر يهدر والـزهـــر
مـن لـيس فـي جـنـبـيـه إنسـانيــة بيـن الـبشـــر
حقـد على الإنسـان في جنبيـه عشـش وانتشــر
ويعيــش محسـوبـاً عـليـه إنهــا إحـدى الـكبــر
ولـقــد يـتيـه بعيـشــه بيـن الـمزالـق والـحفـــر 
نبـع الـحيـاة يفيض سمحـا بالـشعـور وبالفكــر
وعلى شـواطئـه الـطبيعـة وهي فتنة من نظـر 
لا يتـركـون لـه الـصفـاء إذا تسلسـل وانـحـدر 
هـم يعـكسـون نفــوسهــم فيـه وهــم فيـه كــدر 
إن عـاش بعـض النـاس يحلـم بالسعـادة للبشـر
يحيـا لـحـل الـنـاس يشمـلهــم بعـاطـفــة وبـــر
هــوت الـنفــوس بهـم لـقـاع رهيـب الـمنحــدر
كرهوا بني الإنسان بل كرهوا الحياة بغير شـر
إن الحياة هي الشعـور فكيـف يحيـا مـن غـــدر
من لـيس يسعـد بالـضميـر ففـي جوانبـه سقـــر

***

2. رسالـة الحيـاة 

إن الـذي بممـاتــه  = هجر الحياة وسحرها 

وحياتـه بالحـب قـد = كانت تمازج غيرهــا 

يولـي المحبـة قومـه = منحوه أو بخلوا بهـا 

وبلاده قد عاش حتى = مات ينشـد خيرهـا 

وينشب نـار جهادهـا = دهرا ويرفع قدرها 

يكـفيــه نبـــلا أنــه  = أدى الرسالة وانتهى

***

3. زائر البستان 

وكــم عــابـر روضــه لم يفـد    من المكث فيهــا ولـو ظلهــا

ولــو خــايلتــه رؤى شــاعــر     لما غادر الومض في طلها

كـــذلـك نـحـن أمـــام الـحيـــا     ة وإدراكــنــا لــمعــان لهــا


وعمـق الشعــور بأسـرارهــا     وبعــد التـفــاوت في نهلهــا

***


ومن أبياته المسطورة في قصائد ديوانه: 


ما حياةُ المرء دونَ الآخرين ** أو حياة العقل من دونِ سؤالِ ؟

*

من أودع الأنفس سر الحياة  ** وقال عيشي وأحبي الجمال ؟

*

وقـال فـي حلقتـه الـفيـلسـوف **  إن الجمال الحق في المعرفهْ
فهي طريق الخير أمٌّ عطوف ** إذا أردنـــا قـولــة مـنـصـفـــهْ

*

بلبـل يعشق الخميـل بهيجــا   أنا لا بومة تناجي الخـرابـا
كلف بالحيـاة لا لي وحــدي   بل لكيـما تعم حتى اليبــابـا
وإذا جفت الحيـاة من الألحا   ن ليسـت تهــزني إعجـابـا

*

خالد الشعر ما توثق بالنفـ     ـس ومـد الـجــذور فـي الأعمــاق
وهــو ابــن الحـيــاة والحـ     ـس لم يمنح خلودا لصنعة وطباق

*

وخير ما ورّث الآباء في وطن ** بالأرض حرية الأوطان للعقب

*** 



الأحد، 12 يونيو 2016

لعنة الشر الإنساني

وبدأت الحرب! ذلك حدث وقع ويقع على الرغم من تناقضه التام مع العقل ومع الطبيعة البشرية. ولقد اقترف ملايين البشر جرائم وأعمال خداع وغش وسرقة وفتن لا حصر لها، بعضهم ضد بعض .. لكنها لم تُعتبر جرائم وقت اقترافها.
- ليو تولستوي ، الحرب والسلام


إن الصراع السياسي والاجتماعي والأيديولوجي الذي يفتك بالمنطقة العربية نما في أرضٍ سمادها الجهل، وسُقّي بفكر التطرف والتعصب والقمع والانغلاق، فأثمر فيها اليأس والكراهية والعنف والقتل. وكل هذا يحصل في ظل أنظمة عربية قمعية تحكم فقط لأجل الحكم والسلطة؛ وإنْ نتج عن تشبثها بالسلطة ضياع الأرض وهلاك الإنسان. إن المتأمل في بلاد العرب اليوم لا يكاد يرى أرضا عربية إلا وهي تعاني من هذا الشر التي اقترفه ويقترفه البشر، إنها الحرب؛ الحرب التي لا تبقي ولا تذر.

ومع الإيمان الراسخ بأن ساحة الحرب لا تفرز إلا الموت أو ما يشبهه ويكثّره، يتبادر إلى الذهن سؤال مفاده: لمَ الحرب؟ أو بصيغة أخرى: من المستفيد من هذه الحرب؟

قد تبدو الإجابة على هذا السؤال صعبة التحديد
لكن! ماذا لو تغير السؤال، وقيل: من المتضرر من الحرب؟ 
سيكون الجواب هو الشعوب التي تطحنها الحرب وتشردها وتبعث فيها الموت والحزن والجوع والفقر والمرض وكل ما من شأنه أن يتسبب في هلاكها.

إن الحرب وأسبابها وتبريراتها تصدر من أصحاب السلطة. ومن المعلوم أن الحرب لا تطال أصحاب السلطة، فهل هم المستفيدون من اندلاع الحرب على حساب هلاك الشعوب؟ ثم لماذا صارت هذه الشعوب تشارك في الحرب إذا كانوا لا يجنون منها إلا الهلاك؟

لعل من أقدم أساليب المستبدين والطغاة لإلهاء الشعوب هو الزج بأفراد شعوبهم في حروب غير مبررة، ولكي يُقدموا على القتال والاقتتال بكل بسالة فما على القادة العسكريين والسياسيين إلا اقناع الشعوب بقدسية الحرب وأنها تنفيذا لأوامر الله أو حفظا للدين، أو أنهم عرضة لهجوم من قِبل العدو الذي يتربص بهم وبمقدساتهم.

إن الشعوب والتي قد تربط بين أفرادها علاقات الجوار والصداقة وحتى النسب والتبادل التجاري والثقافي، هذه الشعوب عندما تخوض حربا فيما بينها، فإن هذه الحرب لن تنتج في نفوس هذه الشعوب وذاكرتهم إلا تلك المشاعر السلبية ذات الطابع العدائي والوحشي، والمليئة بمشاعر الكراهية والانتقام. 

ولعل انخراط الأفراد في الجيش النظامي لأي دولة في هذا العصر هو الطريق الذي من خلاله يتم تجنيدهم للمشاركة في الحروب. ثم إن هؤلاء الأفراد ما إن ينضموا إلى الجيش حتى يصبحوا أدوات في أيدي القادة العسكريين، ومن هنا يبدأ تشييئ الأفراد الذين يسهل بعد ذلك تحويلهم إلى أدوات عنف وقتل.

وإذا كانت الشعوب لا تجني من الحرب إلا الويلات، فهل هناك من يبارك الحرب؟
لن يبارك الحرب إنسان يتمتع بعقل واع، ولا مثقف إنساني قرأ في كتب التاريخ والحضارات والأخلاق، ولا متدينٌ فهم كتابه المقدس!

إن الحمقى سواء أكانوا أصحاب مصلحة كرجال الاقتصاد أو السياسة أو رجال دين، أم كانوا من المثقفين الخونة كما وسمهم إدوارد سعيد، أم كانوا من عامة الناس الذين تحكمهم العاطفة لا العقل؟ كل أولئك الحمقى يمثلون الأدوات التي يستخدمها أصحاب السلطة لمباركة الحرب والتطبيل لها، وكم يمتدح الحرب ذاك الذي لا يخوضها. ألا تعس المطبلون، ألا تعسا لأبواق الحروب!

ويقابل هؤلاء المطبلين، في الضفة المضادة، أناسٌ من ممثلي الإنسانية الخيّرة التي تسعى ضد أسباب هلاكها، إنهم كارهو الحرب، الذين يدعون إلى إطفاء لهيب هذه الشر المكروهة الملعونة والمجنونة. إن الذين ينادون بتفادي الحرب يتمتعون بشجاعة لا مثيل لها؛ ذلك أن الداعي إلى إخماد الحرب يسير عكس التيار الجمعي الأعمى ويصرخ في وجه الإعلام المؤجج والمسيّر من قبل أصحاب السلطة والمال، وما أكثر الكذب الذي تنهق به وسائل الإعلام في أوقات الحروب!

إن بغض الحرب هو تمجيدٌ للحياة وللإنسان وللحضارة والأخلاق؛ كما أن الحرب هي دمار للحياة على هذا الكوكب ولكل قيمة إيجابية صنعها العقل الإنساني. ولعل من الملاحظ أن كل الدول تؤكد على أنها تسعى إلى الأمن الداخلي وإلى السلام مع الدول المجاورة لها، ومع ذلك فكل دولة تتسلح ضد جارتها، وليس أوضح على هذا مما يحصل اليوم في الشرق الأوسط. بل أفظع من ذلك، هو ما يحدث في دولنا العربية، حيث أصبح في داخل الدولة نفسها يتم تسليح الطوائف (أو الأحزاب، الجماعات) لمواجهة أبناء الوطن المنتمين لطائفة أخرى، وكأن هذه الطوائف والأحزاب اتخذت من العنف والقتل والدمار وسيلة للتفاهم مع ابن الوطن الآخر المخالف في المذهب أو الديانة.
ألا تعس المذهبيون وتعست تجارتهم!!

يقول روبرت فيسك: إن المسؤولين يريدون لمواطنيهم أن يروا الحرب وكأنهم ينظرون إلى مسرحية تحصل بين الأضداد، بين الخير والشر، "بيننا" و "بينهم"، بين النصر والهزيمة. ولكن الحرب ليست فعلا بين النصر والهزيمة، ولكن بين الموت وفرض الموت على الآخرين، إنها تمثل الإخفاق الكامل لروح الإنسانية. 

وفي الختام يقول إرنست همنغواي: لا تظن أن الحرب مهما كانت ضرورية أو كانت مبررة، ليست جريمة.

نعم .. إن الحرب جريمة الإنسان ضد الإنسان وضد الحياة، وإن الناس عندما تُكوى بنار الحرب ستلعن الحرب، وستلعن كل الذين يؤججون نعرة الطائفية والانقسام والاقتتال، فاحرص على أن لا تكون من الملعونين. ولتكن من المؤمنين بالحياة وبالاختلاف وبالتعايش وبالسلام. واجعل قاعدتك في الحياة: عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك، ولا تفعل بالآخرين ما لا تحب أن يفعله الآخرون بك. 
-------------------------

الاثنين، 6 يونيو 2016

محمد شحرور .. العقل الذي أضاء الفكر العربي

يسكن الفكر العربي في عتمة التخلف منذ عقود مضت، ولعل الاستبداد الذي يهيمن على المجتمعات العربية هو السبب الرئيس في استدامة هذا التخلف الحضاري على مختلف المستويات الفكرية والمعرفية والأخلاقية وكذلك على مستوى البحوث العلمية والصناعات الحديثة، ووسائل الاتصال والتكنولوجيا على مستوى الأفراد والمجتمعات العربية. ولما كانت جذور هذا التخلف والتراجع والتقهقر مستترة وعصية على الملاحظة، فقد كان لزاما على أي باحث أن يبدأ من حيث كانت للعرب بداية.

"محمد شحرور" المهندس الذي أبدع زوايا النظر في الواقع، فامتد بصره مسيرة أربعة عشر قرنا. لقد أدرك الدكتور محمد شحرور أن المرأة هي أحد الأركان الأساسية في المجتمع السوي، وأن المرأة خلال العصور الإسلامية السابقة تعرضت للظلم والاضطهاد والاهانة من خلال ثقافة ذكورية جعلت منها متاعا للذكر وخادمة له، ووصفها بأنها ناقصة، كما جعلت هذه الثقافة الموروثة أكثر أهل جهنم من النساء.

وما كان من الدكتور شحرور إلا أن شمر عن ساعديه وأطلق في عام 2000م كتابه "نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي - فقه المرأة" تفصيلا لما كان قد أشار إليه في كتابه الأول "الكتاب والقرآن- قراءة معاصرة" عام 1990م، في الباب الثالث: أم الكتاب والسنة والفقه، الفصل الثالث: الفقه الإسلامي. لقد بين في هذا الكتاب "فقه المرأة" معتمدا على المصدر الإلهي "التنزيل الحكيم" صورة المرأة كما أراد لها ربها، بأنها مساوية للرجل ندا لند في التكليف والجزاء.

حيث بدأ كتابه فقه المرأة متسائلا: أين مصداقية القول بأن الرسالة المحمدية هي الرسالة الخاتم للإسلام، وأنها لكل أهل الأرض قاطبة ولكل زمان ومكان؟!

واستهل الفصل الأول من الكتاب بوضع يده على أحد مفاتيح مشكلة فهم الوجود والتطور، وهي الكينونة والسيرورة والصيرورة. حيث كانت هذه الأفعال الثلاثة ومازالت محور الفلسفة، والعمود الفقري لكل الأبحاث الإلهية والطبيعية والإنسانية، باعتبار أن الكينونة هي بدء الوجود، والسيرورة هي حركة سير الزمن، والصيرورة هي ما انتهت إليه الكينونة الأولى بعد مرورها بمرحلة السيرورة.

إن محوري الكينونة والسيرورة كشكل مستوٍ يمثلان الوجود بمركباته، أما محور الصيرورة فيمثل التطور والتحول في هذا الوجود، وهذا ما نراه واضحاً جلياً منذ لحظة الانفجار الكوني الأول، حيث ظهرت الفوتونات فقط، ثم تحول قسم منها إلى هيدروجين، ثم إلى هيليوم، ثم إلى عناصر رئيسية، تجمعت لتنتج مركبات غير عضوية، ثم مركبات عضوية، ثم كائنات حية بأبسط صورها (وحيدة الخلية)، إلى أن ظهر البشر على الأرض، ثم الإنسان، وما زال هذا الكون بكينونته وسيرورته في مرحلة صيرورة مستمرة لا تتوقف.

وفي الفصل الثاني الذي استهله بتاريخ السنة النبوية وتاريخها، اقترح أسسا جديدة للفقه الإسلامي وأسهب القول في الشورى والديمقراطية وأكد على أن المجتمع المدني هو الحل. 

وفي الفصول الثالث والرابع والخامس وضح حق المرأة المسلوب في والإرث والقوامة والحضانة حتى بلوغ سن الرشد للأولاد، وحدد متعة المطلقة بنصف مال الزوج المكتسب خلال زواجهما، وبيت الزوجية من حق المرأة في حال الطلاق حتى وإن كان المالك هو الزوج، ويفقد هذا الحق في حال الفاحشة.

ونوجز ما ذكره في الفصل الثالث، والذي عنوانه "الوصية والإرث"، في النقاط التالية:
- الوصية مقدمة على الإرث في عملية نقل الثروة 
- الوصية كتبت على الناس كما كتب الصوم والصلاة. 
- الوصية جاءت تكليف على كل أهل الأرض {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا للمتقين}.
- جميع أهل الأرض يوصون الآن إلا المؤمنين.
- ساحة الوصية مفتوحة، وهي خاصة لكل واحد بينما الإرث قانون عام بينما ساحته خاصة. 
{وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا قولا معروفا} أي عند كتابة الوصية.
- قاعدة "لا وصية لوارث": خاطئة لأنها تعارض التنزيل الحكيم. 
- الأساس في المواريث هو الأنثى والذكر تابع لها. أي أن الأنثى هي الأساس. 
- لا يرث إلا من ذكر في الآية، فالأخوال والأعمام لا يرثون. 
- البنت إذا كانت واحدة أو مجموعة بنات فلها أو لهن جميع التركة.
- القرآن لم يذكر حالة الجنس الواحد لأن الإرث يوزع بالتساوي بينهم أو بينهن.
{آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا}، هذا الجزء من الآية يتحدث عن الأصول مهما علو والذين يدخلون في قوله تعالى {آباؤكم}، والفروع مهما نزلوا الذين يدخلون في قوله {أبناؤكم}.

وفد فرّق الدكتور شحرور بين معنى لفظي "النصاب" و "الحظ"، ولفظي "أكثر" و "فوق". فالنصاب يكون معلوم القدر، مثل نصاب الزكاة والوصية، أما الحظ فمجهول القدر، مثل الإرث. ولفظ "أكثر" يشير إلى عدد صحيح، بينما "فوق" يشير إلى عدد عشري أو كسري.

واستند الدكتور شحرور على ثلاثة أحكام:
1- الحد الأول {للذكر مثل حظ الأنثيين}
2- الحد الثاني {فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك}
3- الحد الثالث {وإن كانت واحدة فلها النصف}

كما استعمل الدكتور شحرور في تقسيم الإرث المعادلات الرياضية الحديثة، وهي:
1. نظرية المجموعات (الرياضيات الحديثة) مجموعة الذكور ومجموعة الإناث. وبعدها استعمل الزمر والتي هي حالة خاصة من المجموعات. 
2. الرياضيات التحليلية.
3. الكم المتصل (الهندسة التحليلية) (معادلة قطع زائد).
4. نظرية الاحتمالات.

وباستخدام المعادلات الرياضية الحديثة انتهت مشكلتا الرد والعول.

وفي الفصل الرابع كان الحديث عن التعددية الزوجية والتي حصرها بالأرامل ذوات الأيتام اعتمادا على قوله تعالى: { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا} (النساء 3). ومما قاله في هذا الفصل: إن من الخطورة على المجتمع من خلال العلاقات الأسرية أن نعزل مسألة التعددية اليوم عن المحور الأساسي الذي ارتكز عليه الأمر الإلهي بالتعددية، وهو محور اليتامى، ونجعل منها مسألة ترسخ الذكورية، وتطلق يد الرجل بالزواج متى شاء مثنى وثلاث ورباع، في مجتمع غير محارب يتوازن فيه تقريبا عدد الذكور بالإناث. ومن الخطورة الأكبر أن نبتدع، كما يفعل بعض فقهاء اليوم، مبررات للرجل تسوغ له الزواج بأربع تحت عناوين ركيكة حينا، ومضحكة حينا آخر، وظالمة في كل الأحيان.

في حين ضم الفصل الخامس موضوع القوامة، والذي كان لبه تأويل الآية: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا} (النساء 34)، وفيه حدد الدكتور شحرور معنى مصطلحي "الرجال" و "النساء". فالرجال هم المتمكنون إداريا وماليا ومعنويا سواء كانوا ذكورا أو إناثا، والنساء ما تلى أو ما تأخر عنهم في التمكن والإمكانية. وعليه فإن مصطلح "الرجال" يطلق على الذكور وعلى الإناث. وكذلك لفظ "النساء" يطلق على الذكور أو الإناث.

ولنتأمل هذه الآيات: 
{بما فضل الله بعضهم على بعض} للتأكيد لم يقل بعضهم على بعضهن وإنما بعضهم على بعض أي ذكور وإناث.
{وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا} وهنا المقصود بـ"رجالا" الذكور والإناث.
{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}، وأم عمار هي أول القتلى في سبيل الله. 

وهنا يتضح أن للقوامة شرطين:
1. الكفاءة الإدارية {بما فضل الله بعضهم على بعض}
2. الكفاءة المادية {وبما أنفقوا من أموالهم}

ولعل أكثر الأمثلة وضوحا هي البيت النبوي الأول، حيث كانت القوامة لأم المؤمنين خديجة عليها السلام على النبي

والنشوز هو الاستعلاء والاستكبار، ولا ينشز إلا المرأة الصالحة للقوامة. {فالصالحات} أي للقوامة وهذه الحالة الأولى التي تكون فيها القوامة للمرأة. والمرأة الصالحة هي التي تكتم ما يدور في بيتها وتحفظ لزوجها كرامته ولا تستغل قوامتها لإهانته، وإن استبدت وتحكمت (نشزت) فيمكن هجرها (إن كانت زوجة، فقد تكون أخت)، أو ضربها أي سحب القوامة منها، {واضربوهن} لا تعني أبدا الضرب الجسدي، كقولنا مثلا "ضرب بيد من حديد"، أو ضرب عليها بمعنى شطبها، وفي الآية التي تلي يضع حلا أخيرا هو تدخل الأهل. وكثيرا ما نرى هذه الحالات في حياتنا اليومية، إذ يمكن أن تكون الأخت أو الزوجة هي التي تعمل وتنفق على المنزل، ويكون القرار لها فيه، فإن كانت زوجة ونشزت بمعنى استغلت وضعها وتكبرت فللرجل أن ينصحها أولا ثم يهجرها ثم يسحب منها القوامة، أي الضرب بمعنى اتخاذ موقف حازم. أما إن كانت القوامة للرجل أصلا فتكون هذه الحلول لا معنى لها.

أما الفصل السادس فقد خصصه للحديث عن اللباس، وفيه لم ينكر الدكتور شحرور الأعراف الإجتماعية في اللباس والزينة، ولكنه رفض أن يكون اللباس الاجتماعي لنساء شبه الجزيرة العربية في القرن السابع زيّا إجباريا للنساء المسلمات في كل زمان ومكان، وهذا ما كانت عليه المنظومة الفقهية الموروثة.

{وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن ...}
 (النور 31). 
إن الأمر في هذه الآية بتغطية الجيوب، إذ أن الزينة هي الجيوب. والجيب هو شق بين جدارين، أما الخمار فهو ما يغطي الجسم، واصطلح العرب على أنه غطاء الرأس. والجيوب نوعان: جيوب ظاهرة وجيوب مخفية. فالجيوب الظاهرة هي جيوب الوجه واليدين والرجلين، وجيوب الوجه هي العيون والفم والذقن والأذنين، وهذه الزينة هي هوية المرأة، ولا يجوز أصلاً تغطيتها. أما الزينة المخفية فهي بين النهدين وتحت النهدين وتحت الإبطين (الجيوب العلوية) والفرج والإليتين (الجيوب السفلية) فيجب تغطيتها، هذا فيما يتعلق بالحد الأدنى من اللباس. أما الحد الأعلى فهو تغطية الجسم كله ماعدا الوجه والكفين، ومعظم نساء أهل الأرض تلبس بين هذين الحدين، ونساء شبه الجزيرة العربية كانوا يرتدين ثيابا مفتوحة الصدر، ويضعن غطاء رأس، فجاء الأمر بتغطية الجيوب. وهذا يقودنا إلى الأصل في اللباس ألا وهو دفع الأذى سواء أكان الأذى الطبيعي أم الأذى الاجتماعي {أن يعرفن فلا يؤذين}. إذن، لباس الخروج الاجتماعي للمرأة هو ابتداء من الحد الأدنى وهو حسب أعراف المجتمع الذي تعيش فيه وحسب ظروف الزمان والمكان بحيث لا تتعرض للأذى الاجتماعي، ويتدرج حتى يبلغ حده الأعلى بإظهار الوجه والكفين فقط. وأما غطاء الرأس بالنسبة للرجل أو المرأة ليس له علاقة بإسلام ولا بإيمان وهو يتبع أعراف المجتمع بشكل كامل. وهكذا نرى حنيفية الإسلام في اللباس، لذا جاء اللباس الخارجي وهو الجلباب كتعليم من باب النبوة {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين..} (الأحزاب 54).

وختم كتابه بالدعوة إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية بالنسبة للمرأة في كثير من البلاد العربية والإسلامية في منحها حق إعطاء الجنسية لزوجها من غير مواطني الدولة التي تنتمي إليها وكذلك لأولادها. وهذا الحق مازال محصورا بالرجل في معظم البلاد العربية إن لم يكن كلها، مما يؤكد ذكورية المجتمعات العربية إلى اليوم، وأن المرأة مازالت مواطنة من الدرجة الثانية.

لا ننسى أن ما تناوله مهندس القراءة المعاصرة في هذا الكتاب هو سبب رئيس في ما تعرض له الدكتور شحرور من هجوم المؤسسات الدينية ومؤسسات الإفتاء والفقهاء في هذا العصر، لأنه تعرض لما يمثل للفقهاء "بقرتهم المقدسة" ألا وهو الفقه، وما أدراك ما الفقه الإسلامي !
***********************
المراجع

1. محمد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي - فقه المرأة، دار الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى 2000 م.


الأربعاء، 1 يونيو 2016

طبيعتان مختلفتان لزواج دائم

الجنس المؤنث هو الجنس العاطفي، والجنس المذكر هو الجنس العامل. 
- أوغست كونت

لعل أهم المصاعب التي تواجه الزوجين خلال حياتهما الزوجية هو الاختلاف بين الجنسين في طريقة التفكير وفي الاهتمامات الشخصية وفي كيفية التعامل مع المشكلات وطريقة التواصل فيما بينهما، وكذلك في الاحتياجات العاطفية. ولأن الحياة الزوجية تقوم (وتدوم) على الحوار والتفاهم والتعايش بين طبيعتين مختلفتين؛ فإن معرفة طبيعة الرجل والمرأة لكليهما معين على استمرار الحياة الزوجية التي تجمعهما. وحتى في أسعد الزيجات وأطولها عمرا لا بد من استمرار تلك الاختلافات الجوهرية في الطباع، وهي اختلافات ينبغي الاعتراف بها، والنظر إليها بعين التقدير، وإدراك أن تلك الاختلافات لا يمكن أن تختفي، فالرجل لابد أن يصادف عقبات خارجية يتغلب عليها، والمرأة لا بد أن تحب وأن تحَب. 

ومن أهم أسباب فشل العلاقات الزوجية هو سعي أحد طرفي العلاقة إلى تغيير شريك حياته كي يماثله في الصفات والطباع، ظانا أن هذا هو السبيل الصحيح لنجاح العلاقة الزوجية، وكان الأولى أن يتعلم كلٌ منهما كيفية التعامل مع تلك الفروق الصغيرة بينهما. وقبل ذلك؛ أن يملك الأزواج نظرة تُعلي من قيمة الحياة الزوجية والتي من خلالها يمكن الارتقاء والنمو والتكامل للحياة الإنسانية، وليست مجرد إشباع للغرائز الجسدية.  

إن ما يضمن استمرار وسعادة الحياة الزوجية ليس الجاذبية المتبادلة من الناحيتين الفكرية والجسدية، بل وجود رغبة صادقة من الطرفين في إنشاء علاقة دائمة، وحتى تستمر هذه العلاقة وتزداد قوة مع الزمن يجب على الطرفين أن يفهم كل منهما عقلية الآخر. ومما يُفهم من تعريف أوغست كونت للجنسين المؤنث والمذكر هو أن في المرأة صلة أقرب كثيرا مما في الرجل بين العقل والجسم، وأن أفكار المرأة أوضح من أفكار الرجل، بينما يقدّر الرجل العمل والانجاز. وقد لا تفهم المرأة حق الفهم حاجة الرجل إلى العمل، وأن النشاط جزء من طبيعة الرجل، ولهذا يتجه اهتمامه بصورة قوية نحو البناء والصيد والرياضة والسيارات وغير ذلك من الأشياء المادية. وينظر الرجل إلى نفسه من خلال قدرته على تحقيق نتائج وانجازات، ويشعر بالرضا عندما يحقق أهدافه بنفسه، فذلك يشعره بالثقة والفخر. والاستقلالية بالنسبة للرجل ترمز إلى قدراته وقوته وكفاءته؛ وهذا سبب مقاومته لتصحيح الآخرين له، لأنه يرى ذلك دليلا على ضعفه وعجزه. فالرجل يسعده أن يتمكن من اختراع جهاز يغير الكون، وكل شيء يصنعه الرجل يحمل طابع الحاجة الخارجية، فسقف بيته معرض للأمطار، وسيارته تعبث بها الرياح والأمطار بعد أن فقدت موقفها الذي كان يحجبها عن الشمس والقمر ومراهقي الحارة.

وعلى العكس من ذلك فإن المرأة يسعدها أن تتفانى في أداء عمل صغير في هدوء بيتها، وكل ما تشغل به المرأة نفسها على صلة بالجسم الإنساني، فوسائد الأريكة تستقبل ذلك الجسم وتعمل على راحة أطرافه، والمرايا تعكس صورته، وإنارة الغرفة تبعث على راحته، وهذه سمات واضحة جلية لطرازين مختلفين من العقول. فمزاج  الرجل يختلف تبعا لما يقدّر له من نجاح أو فشل في المحاولات التي يبذلها في سبيل استكشاف العالم الخارجي، أما المرأة فإن مزاجها يختلف باختلاف خوالجها السيكولوجية، وهي تبدو في نظر الشاب الجاهل المتخبط كثيرة النزوات بل غير متماسكة وشديدة العناد. 

إن أفكار الرجل تسافر بالطائرة، وتحلق فوق الفراغ والزمان، وهي تحيط بالمجالات المترامية التي قد لا تكون إلا خيالا من خيالاته، وقد تخطئ فتأخذ قشور القول على أنه اللباب في حين أن أفكار المرأة تسافر سيرا على الأقدام؛ لذا يحب الرجال أن يبتكروا الخطط، وأن يتخيلوا العالم ع لى غير صورته الراهنة، وأن يلحقوا في أفكارهم وفي أفعالهم أيضا إذا سمحت الظروف. وتختلف طبيعة المرأة عن طبيعة الرجل في أنها تركز على الحب والتواصل والعلاقات الاجتماعية، وتحقيق المرأة لذاتها يتم بالمشاركة الاجتماعية والتقارب والانسجام، وتشعر بالرضا عندما تكون قريبة من النساء الأخريات وتقدم لهن التعاطف والمساعدة، ولذلك نجد أن التواصل والعلاقات والكلام أهم عند المرأة من العمل والإنجازات وتحقيق الأهداف.

وهنا يجب على الرجل أن يعلم أن الزوجة إنما ترغب بالحديث عن المشكلات من أجل التقرب والتفاهم، وليس من أجل الحصول على الحلول والمقترحات، ولهذا تشعر المرأة بالإحباط بعد الحديث مع زوجها الذي يبادر في سرد الحلول، لأنه لم يدرك أن مجرد الاستماع ومن دون تقديم الحلول والارشادات كان هو كل ما تحتاج إليه المرأة. إن معنى الحوار عند الرجل هو تبادل المعلومات وإيجاد الحلول، بينما هو عند المرأة المشاطرة الحميمية والرغبة في التقرب والدعم العاطفي.

ومن الفروق الواضحة بين الرجل والمرأة، أن الرجل لا يعير اهتمامه عادة إلا للأمور التي يعتقد أنها أمور "كبيرة"، بينما تهتم المرأة أكثر بالأمور "الصغيرة" مثل رسالة نصية أو اتصال في وقت عمله، فهذه الأمور تُشعرها بالاهتمام والمحبة. وحتى إن كانت الأمور تسير كما يجب، فإن المرأة تشعر في إمكانية تحسينها لتكون بشكل أفضل، ولذلك هي لا تتردد في تقديم النصح والتوجيه وهو بالنسبة لها علامة على المحبة والرعاية؛ بينما يميل الرجل إلى ترك الأمور تسير كما هي إن كانت تسير بشكل مقبول، ولا حاجة لمزيد من التحسين والتطوير. وهو لا يرغب في إصلاح الأمر إلا أن يتعطل أو يخرب بالكلية. 

ومن طبيعة الرجل رفضه لمحاولات زوجته في تغييره (أي تحسينه كما تظن) لأن هذا يشعره بالعجز والفشل، وعليها أن تدرب نفسها على أن لا تتدخل كثيرا في محاولاتها المتجددة لتغيير طبيعة زوجها وسلوكه وتصرفاته. فمثلا: لا تحاول أن تطرح على زوجها الأسئلة الكثيرة عن أسباب انزعاجه، وإلا فإنه سيشعر بأنها تحاول تحسينه؛ الأفضل أن تتجاهل أنه منزعج مع بعض الاهتمام الخفيف، كما يجب أن تتجنب المرأة تقديم النصائح لزوجها. وقد قال ليو توليستوي: هلاك المرء أقرب إليه من استعداده للعمل على تغيير عاداته!

كهف الرجل وبئر المرأة

إذا عانى الرجل من مشكلة ما فإنه ينسحب إلى كهفه. ويجب أن تدعه المرأة في كهفه، لأنها لو حاولت إخراجه فسيخرج ذئبا متوحشا. وهذا الكهف يمكن أن يكون غرفة في البيت يحددها الزوج مسبقا، فتصبح وكأنها إشارة من الزوج لزوجته أن تبتعد عنه في هذه الفترة وفي ذلك تفادي لكثير من المشاكل التي قد تحدث من محاولة الزوجة الحديث مع زوجها في مثل هذه الظروف التي يعاني منها (يا عائشة ذريني أتعبد ربي).

ومن الخطأ أن تفسر الزوجة رغبة زوجها بالابتعاد عنها أنها هي السبب، لأن الزوج إذا مُنع من الابتعاد فقد لا يشعر بالرغبة القوية للاقتراب، وقد يصبح الرجل نزقا متقلب المزاج ويتطور الأمر إلى أن يكون سلبيا في حواره وتعامله معها، وتتحول العلاقة الزوجية إلى نوع من الروتين الممل. وعلى المرأة أن تعلم أن وقت انعزال زوجها في كهفه غير مناسب للحديث معه ومن الأفضل أن تقضي وقتها مع صديقاتها أو في قضاء حاجاتها من السوق، وقبولها لعزلته في كهفه سيسرع من خروجه من الكهف.

وأما المرأة فقد شُبّه انخفاض مشاعرها وعواطفها وكأنها تنزل في بئر، حيث تدخل المرأة في حالة سوداوية من التشاؤم وضعف الثقة بالنفس والمشاعر الغامضة التي لا تفسير لها. ومن الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها الرجل أن يحاول منع زوجته من تقلبات المشاعر والمزاج، فإذا ما انشغل بالها وضعفت ثقتها في نفسها فإنه يقول لها ألا تشغل بالها وألا تقلق، إلا أن هذا الكلام يزيدها قلقا لأنها تدرك أن زوجها لا يفهمها ولا يقدر مشاعرها. في هذه اللحظة تحتاج المرأة إلى من يستمع إليها برعاية وعطف وحنان. 

إذا نزلت المرأة في البئر ووصلت إلى قاعه، فإنها تكون في أمس الحاجة إلى تقبل زوجها لها وتقديم المحبة لها، بدلا من أن يلومها أو يطالبها بأشياء لا تستطيع وهي في هذه الحالة تلبيتها أو الاستجابة لها. ومن المهم أن يدرك أن تقلبات مشاعر المرأة ليست دليلا على تقصيره أو عدم رعايته، وإنما أمر طبيعي لا يمكن تفاديه وأنه فترة عابرة وتنتهي. 

إن اختلاف طبيعة كل من الجنسين يتطلب وجود اهتمام مختلف، كما أن وجود هدف مشترك لهو شرط أساسي لبناء علاقة ناجحة وسعيدة. والتغلب على الأزمات يكون بالسعي نحو مستقبل واحد مشترك بينهما. كما أن هناك علاقة وثيقة بين حالات انفصال الزوجين وبين ضعف القدرة على التعامل مع الاختلافات والتوترات بين الزوجين، ولذلك يقول بعض الخبراء أن الذي يحدد طبيعة مستقبل حياة الزوجين ليس مقدار المحبة بينهما، ولا كم هي ناجحة العلاقة الزوجية بينهما، أو صعوباتهما المالية، وإنما طريقة تعاملهما مع النزاعات والاختلافات.

ومن أهم الأمور في وجود علاقة زوجية حية:
1. الحوار بين الزوجين.
2. حل الخلافات وسوء التفاهم.
3. التعهد بالرعاية والاهتمام المتبادل مع ذكر الايجابيات وعدم التذكير بالسلبيات.

وكل هذا يتطلب الوقت المناسب والمكان المناسب والالمام بالاختلاف الطبيعي بينهما، وكذلك طريقة التعبير عما يريده أو يشعر به كل منهما. 

إن نمو الحب بين الزوجين يتطلب استثمار الوقت والجهد في رعاية كل طرف للآخر، حتى وإن كنا نعيش في عصر السرعة إلا أن العلاقات الانسانية تتغذى بالوقت الذي يستثمره الناس في هذه العلاقات ولا بد من التأني والتروي في تنمية الحياة الزوجية {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين}

وفي الختام: 
يقول ألفرد أدلر: "يستمد الأطفال قناعاتهم عن الزواج مما يكونونه من انطباعات مبكرة مصدرها آباؤهم. لذلك فإن احترام الزواج يُستقي بالخبرة ويُحتذى بالقدوة"، وهذا يعني أن الحياة الزوجية الناجحة تكون نموذجا يحتذي به الأجيال القادمة {ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا}.

****************
المراجع
1- مأمون مبيض، التفاهم في الحياة الزوجية، المكتب الإسلامي، دمشق، سوريا، الطبعة الثانية 2003
2- أندريه موروا، فن الحياة، ترجمة حسن فتيحي، دار الهلال، الإسكندرية، مصر 2003