الأربعاء، 23 يناير 2019

صراع الأجيال

حدث التغيير .. هذا ما كان يتوقعه جميع الأعضاء .. لكن التغيير هذه المرة لم يكن تغييرا في الأشخاص فحسب، بل وفي العقلية التي تقود الدفة، والتي لم يحدث أن أعطيت الفرصة لتقول كلمتها.

لقد أحدث هذا التغيير - وهو لا يزال رضيعا - صراخا وضجيجا تكاد الآذان تفقد قدرتها على السمع، وتكاد العقول تتخبط وهي ما زالت حديثة عهد، لم تستوعب العمل القيادي بعد .. إن هذا الضجيج هو فزع الشيوخ من إقدام الشباب.

الشيوخ والشباب، المحافظون والتقدميون، التقليد والتجديد، الثبات والحركة .. هكذا تتعاقب الأجيال وتتبدل الأدوار وتتقلب الأحوال وتتجدد الأفكار .. هكذا يعمل الزمان في كل الأشياء. فإنْ كان الشيوخ مياه راكدة مشبعة بالهدوء والسكينة، فإن الشباب عطشٌ لا ترويه المياه الراكدة، إنه العطش إلى التجديد والتغيير، والعقل الذي يبحث عن السبيل التي تناسب طموحاته وأحلامه ووجوده. وهو كذلك الحركة التي تغامر في الطرق غير المسلوكة، إنه المغامرة التي تواجه الحياة لتحولها عن وجهة لا ترضاها إلى وجهة ترضاها. 

إن قابلية الشباب للتغيير وسعيه إلى ذلك غالبا ما يكون بسبب عدم ملاءمة الحياة الرتيبة الجامدة لطبيعته المتأججة، فعندما تكون الحياة مملة وخالية من الإثارة والطموح، فإنها تصبح غير مقبولة لديه، وعندما تكف عن أن تشعره بالرضا، فإنه يضيق ذرعا بذلك .. ذلك لأن الشباب يختنق من السكون والثبات، ويثقل عليه أن يكون جمادا لا يتحرك ولا شيء يحركه .. فالشباب نهرٌ يتجدد ماؤه باستمرار، أما ثبات الشيوخ فهو رهن احتباس العادة وانحصار الجهد بين قضبان العرف والتقاليد. لذلك يتهم الشباب الشيوخ بأنهم لا يرحبون بالتغيير (فالتغيير بالنسبة لهم شر عظيم)، ويمتعضون من كل اقتراح تقدمي، وأنهم يقدسون الماضي ويستميتون في الدفاع عن المبادئ التقليدية التي أكل عليها الدهر وشرب .. بينما يرى الشيوخ أن الشباب لا يتقبلون النصح، ولا يتعلمون من دروس الماضي، وأنهم دائما متسرعون في إتخاذ القرارات التي يصفونها بأنها "غير ناضجة". ولعل في هذه الفروق بين الجيلين تعبر الحياة عن الصراع الذي يسكن بين جنباتها، ولعل التقدم فيها يكون ثمرة للتعايش بين الأجيال، ولكنه - أي التقدم - دائما قفزة إلى الأمام. 

إن التغيير موجود دائما (وها هو قد حدث)، ولكن تبقى الكيفية التي يدار بها هذا التغيير هي المحك الذي يتم من خلاله تقييم تجربة الشباب القيادية. وهذا مما يضاعف الحمل على الشباب، فليكونوا ندا لهذه المهمة، وليمتلكوا الشجاعة لخوضها، وليتعلموا دائما كيف يصبحون أكثر تأثيرا (لا أكثر سلطة) على الآخرين ليقودوا الدفة إلى بر الأمان. 

ولنعلم أن "التغيير في ذاته لا يوصف بأنه مخطئ أو مصيب، فالخطأ والصواب من صفات الشعور الذي لا يعي حركة التغيير في سيرها، أما الذي وعى التغيير فإنه يمهد له المضي في طريقه بإزالة ما يعرقل سيره في حركته المتطورة"1. لذا، فإن على جميع الأعضاء ألا يدقوا طبول الكراهية، وألا يرموا في طريق التغيير ألفاظا جارحة من شأنها أن تثبط من عزيمة الشباب، وألا يضعوا العراقيل التي تضعف حماسة الشباب وإقدامهم نحو تحقيق الأهداف التي يصبون إليها. 

إن الخطأ جزء من التجربة الإنسانية، وهو الثمن الذي ندفعه مقابل التغيير، كما أن الخوف من الوقوع في الخطأ يمثل عقبة كبيرة في طريق التغيير .. ولكن لن يكون هناك تقدم إن لم يكن هناك تغيير، فالحياة تجارب وأخطاء، والتقدم فيها تصحيح لتلك الأخطاء .. وهذا يعني أن الوقوع في الخطأ يمثل جزءا من عملية التغيير وليس عيبا فيها ولا سببا يجعلنا نتراجع عن التغيير الذي هو بداية الطريق في عملية النمو والتقدم. وعندما يتفق الأعضاء على الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها، فإن روح المحبة والتعاون التي يظهرها الأعضاء بعضهم لبعض تستطيع أن تملأ الفجوة بين القيام بالعمل والوصول إلى الأهداف المنشودة. أما أولئك الذين يستعجلون الحكم بالفشل على التغيير، فإنهم - بحكمهم هذا - يعبرون عن رفضهم للتغيير ليس إلا، فليعملوا أن الأمور إنما تعرف بنهاياتها التي تؤول إليها، لا بما هي مقبلة عليه "مالكم كيف تحكمون". وليعلموا أيضا أن عدم المساهمة في تشييد البناء الجديد لن يهبهم شعورا بالسكنى ولا السكينة، وإنما الشعور بمزيد من العزلة والغربة. وليعملوا أخيرا أن الحياة شابة لا بعدد السنين بل بجدتها المستمرة. 

ولنتذكر أن الصراع لا ينتهي ولن ينتهي، هذه هي سنة الحياة، وأن قيمة الإنسان تكمن في سعيه إلى الأفضل، إلى التطور والتقدم.
*****
* الإنسان العصري:
https://khaled-mohajer.blogspot.com/2016/03/blog-post_30.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق