الأربعاء، 13 يناير 2016

اللحظات الجميلة لا توصف .. ويجب ألا توصف !!

عباس شاب ثلاثيني، احتفل البارحة مع زوجته سلوى بالذكرى السابعة لزواجهما، وبعد أن أُشعلت الشموع، شرعا في سرد ذكرياتهما ولحظات الفرح والزعل، إلا أن سلوى دائما تقول لزوجها عباس أنها لا تحب الكلام عن ذكرياتهما الجميلة، فيسألها عباس وقد رفع حاجبيه: ولماذا؟! 
فترد سلوى: لا أعلم، ولكن أنا لا يستهويني الحديث عنها. 
وبعد برهة من التأمل ينكسر حاجز الصمت، الذي تسكنه الذكريات، وتسأل سلوى زوجها: عباس .. ألم تلاحظ أن ذكرى زواجنا لم تعد بذاك الجمال الذي كنا نشعر به عندما تحدثنا عنها لأول مرة؟! 
يجيبها عباس: لأننا كبرنا يا سلوة الروح والخاطر، وصار عندنا أولاد!!
ومضت ليلتهما وهما يغنيان ويضحكان حتى أطفئت الشموع. 

نعم .. إنها لحظة جميلة، ومن منا لا يملك ذكرى جميلة؟! ولكن لماذا لا نستطيع أن نصف تلك الذكريات الجميلة في حياتنا؟ وهل لنا أن نصفها؟!

ينقل جون هولت عن المحلل النفسي ثيودور رايك نصيحته التي قدمها إلى العاشقين الشبان، حيث قال لهم: إياكم والحديث عن ذكرياتكم السعيدة حول اللقاءات والتودد، والحب، .. إلخ ! إياكم وإدمان القول في إعزاز: أتذكر حين كنا ... فما دامت هذه الذكرى حية في ما دون وعيكم فستظل محتفظة بقوتها السحرية وسوف تغذي حبّ كل للآخر. أما إن أخرجتموها إلى ضوء الوعي الساطع كضوء النهار وتحدثتم بها فسوف تبدأ في الزوال كما تتغير صورة فوتوغرافية قديمة في نور الشمس، وتفقد نظارتها وشدتها وتغدو مثل أي شيء منظور أو مقروء أو كأنما حدثت لشخص آخر. 

إننا إذا تحدثنا عن إحدى ذكرياتنا الجميلة فإننا أخرجناها من حيز الخيال الذي تسكنه، الخيال الذي لا يعرف الحدود ولا يعترف بها، واختزلناها في ألفاظ كنا نظن أنها كفيلة بوصفها ولكن كل ما عملناه هو أننا شوهنا تلك الذكرى باختزالها في إطار مفرداتنا اللغوية، وكما يقول نيتشه عن اللغة بأنها ليست سوى استعارات وتشبيهات. 

لنفرض أنك شاهدت فيلما سينمائيا وأعجبت به جدا، ماذا لو أعدت مشاهدته ثانية؟ ماذا لو كنت مكان عباس وشاهدت نفس الفيلم للمرة السابعة؟ هل سيكون إعجابك به كما شاهدته في المرة الأولى؟!

إن هذا الفيلم هو تلك الذكرى الجميلة والتي ما لم نجسدها في كلمات فإنها تستطيع أن تغذي فينا مشاعر الحب والتودد، أما إذا جسدناها في فيلم ما، فالأفضل ألا نعيد مشاهدته حتى لا يفقد بريقه.

يقول الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون: نحن نفشل في التعبير بصفة كاملة عما نشعر به لذلك يبقى الفكر أوسع من اللغة. وهذا ما يؤكده عالم النفس إريك فروم بقوله: وكما هو الحال مع كل تجربة إنسانية أخرى فإن الكلمات عاجزة عن وصف التجربة. وفي الحقيقة في معظم الأحيان فإن الكلمات تحدث العكس، إنها تطمس التجربة وتشرحها وتقتلها. ثم يطرح فروم حلا لوصف التجربة الإنسانية عندما يقول: إن الشعر والموسيقى والأشكال الأخرى للفن هي إلى حد بعيد خير مجال ملائم لوصف التجربة الإنسانية.

وخلاصة القول أنه يجب علينا خلق لحظات الفرح والسعادة مع العائلة والأصدقاء والزملاء، حتى نغذي بها خيالاتنا كلما استذكرناها دون أن نختزلها في خندق الألفاظ، وهذا ما أكد عليه الزن Zen بالقول: إن الحقيقة الأسمى لا يمكن أن تصاغ في كلمات. 

*******

هناك تعليق واحد: