الأحد، 20 نوفمبر 2016

هرقليطس .. الفيلسوف صاحب الفكرة الجديدة

هرقليطس  (Heraclitus) (483 – 544 ق.م)


فيلسوف يوناني سابق على سقراط ، قال بالتغيّر الدائم.

يصعب تحديد تاريخ حياته بدقة، غير أنه من الراجح أنه ازدهر (أي كان في الأربعين من عمره) حوالي سنة 500 ق.م.، ولا يُعرف عن حياته غير أنه كان من الأسرة المالكة في مدينة أفسوس بآسيا الصغرى.

ووصفه بلقب "الفيلسوف الباكي" إنما هو سوء تأويل لما نسب إليه من "ثاوفرسطس" من "مالنخوليا"، وكانت تطلق آنذاك لا على الأحزان بل على الاندفاع. لكن شاع في العصر القديم القول بأن ديمقريطس كان يضحك من حماقة بني الإنسان، بينما كان هرقليطس يبكي منها، فسمي ديمقريطس بالفيلسوف الضاحك، وهرقليطس بالفيلسوف الباكي.

كذلك اشتهر هرقليطس بالغموض، فقيل عنه "الفيلسوف الغامض". وشاع هذا القول في كل العصر اليوناني والروماني، والسبب في ذلك أنه كان يطيب له المفارقات والأقوال الشاذة، وكان يعبر عنها بلغة مجازية رمزية. ومن هنا لقبه تيمون الفليوسي (القرن الثالث ق. م) بلقب "صاحب الألغاز". ويقول عنه أفلوطين: "كان يتكلم بالتشبيهات، ولا يعنى بإيضاح مقصوده، ربما لأنه كان من رأيه أن علينا أن نبحث في داخل نفوسنا كما بحث هو بنجاح".

ومن نظرياته الفلسفية الرئيسة القول باللوغوس  logos، حيث يقول "كل شيء يحدث وفقا للوغوس"، ويقول "إن اللوغوس يرتب كل الأشياء". لكنه يستعمله بالمعنى الجاري أي بمعنى القول "الأحمق يتهيج لأي قول".

لكن المعنى الخاص للوغوس عند هرقليطس يدل على العقل الإنساني، وعلى المبدأ الذي يحكم العالم، أو القانون الذي وفقا له يترتب العالم و هذا اللوغوس شامل سائد في كل الكون لكنه يتصوره تصورا ماديا، أي على أنه كيان مادي من عنصر النار، لأنه يقول "إن كل الاشياء متحولة من النار فالمظهر المادي للوغوس هو النار".

إلى جانب القول باللوغوس، قرر هرقليطس المبادئ الثلاثة التالية:

1.     الانسجام هو دائما نتاج المتقابلات، ولهذا فإن الحقيقة الأساسية في العالم الطبيعي هي الكفاح.
2.     كل شيء في حركة مستمرة وتغيّر.
3.     العالم نار حية دائمة البقاء.

المبدأ الأول له ثلاثة أوجه:
  • كل شيء مؤلف من متقابلات ولهذا فإنه خاضع للتوتر الداخلي.
  • المتقابلات في حالة هوية بعضها مع بعض، أي أن المتقابلات واحدة.
  • الحرب هي القوة المهيمنة والخلاقة، وهي الحالة السليمة للأمور.

أما المبدأ الثاني فيعبر عن بقوله: "كل شيء في سيلان دائم". والقول المشهور هو "لا تستطيع أن تنزل في نفس النهر مرتين". يضيف إليه فلوطرخس "لأن مياها جديدة تتدفق فيه".

أما المبدأ الثالث فيشرحه هرقليطس في قوله: "إن نظام العالم Kosmos واحد للجميع، لم يصنعه أحد الآلهة ولا الناس، لكنه هو دائما وسيكون كذلك أبدا: نار حية دائمة البقاء، أشعلت بمقاييس وأطفئت بمقاييس". ويشرح ذيوجانس اللائرسي هذا القول بأنه يعني أن "الكون ولد من نار وسينحل من جديد إلى نار، في عصور متوالية على التبادل، وهكذا أبدا".

إذن هرقليطس هو القائل: إن أصل الأشياء النار لأنه رأى أنها دائمة السيلان.

وكان يزدري أغلبية الناس، حيث يقول: "أناس آخرون لا يعلمون ما يفعلون وهم يقظى، تماما كما ينسون ما يفعلون وهم نيام". ومن أقواله: "إن الناس يتبع بعضهم بعضا ولا يفكرون تفكيرا حرا مستقلا، وكل شيء يظهر عندهم بمظهر خاطئ، والطريق الذي يسيرون فيه لا يعلمون إلى أين ينتهي، وعلى وجه العموم، معتقدات الناس وآراؤهم العامة كلها خاطئة، بل والقلة القليلة من المفكرين ليسوا بأحسن حظا كثيرا من عامة الناس".

إذا ذهبنا إلى مذهبه في المعرفة وجدنا أنه قد حمل على المعرفة الحسية (كما فعل برمنيدس من قبل)، وقال: "إن المعرفة الصحيحة هي المعرفة العقلية وحدها، واما معرفة الحواس فليست معرفة حقيقية بل هي ظن ولا تؤدي إلى اليقين".

وفي الأخلاق، نجد أن أول بحث في الأخلاق بمعناها الحقيقي عند الإغريق، كان هرقليطس هو أول من قام به. فقد كان يطالب بالحرية الأخلاقية وأن يسير الإنسان على العقل في أفعاله، وألا يتبع العامة والمجموع. وكان من أجل هذا يحمل على الديمقراطية لأنها قانون العامة وأوساط الناس.

ومن شذرات أقواله:

- "لا يوجد هنالك من شيء دائم سوى التغيير"

- "الكلاب تنبح في وجه كل من لا تعرفه"

"الحمير يفضلون سقط المتاع على الذهب"

- "إن الحرب هي أبو كل شيء (كان يعلم أن الحرب لا يقوم بها إلا الذكور، لذا قال: "أبو كل شيء"!!)

- "الرجل الواحد في نظري يكون عن ألف رجل، إذا كان هو الأفضل"

- "لست أرى إلا التحول والتغير. لا تخدعوا أنفسكم، ولا تلوموا حقيقة الأشياء بل لوموا قصر نظركم إن ظننتم أنكم تبصرون أرضا ثابتة في بحر الكون والفساد. أنتم تخلعون على الأشياء أسماء وكأنما ستبقى إلى الأبد. ولكن النهر الذي تنزلون فيه للمرة الثانية ليس هو نفس النهر الذى نزلتم فيه أول مرة"

يقول عبد الرحمن بدوي: إن مذهب هرقليطس جديد كل الجدة، لأنه أول مذهب قال بالتغير الدائم المطلق، وجعل من التغير في الكيف تغيرا مستمرا، الأساس في الوجود، كما أن فكرته في الأضداد وفي أن كل شيء يحوي ضده وأن الأضداد هي هي نفسها. ويضيف: إن هرقليطس كان في كل هذا صاحب فكرة جديدة كان لها أكبر الأثر فيما بعد في تاريخ الفلسفة. وقد أثرت في كل الذين قالوا بعده بالتطور.

********

الأحد، 6 نوفمبر 2016

التفاؤل الساذج

"عباس" و "راضي" في حوار قصير جرى بينهما عندما كانا يستعرضان ما صار إليه الحال في بلاد العرب من طائفية وحروب خلّفت الفقر والمرض والتشرد والهجرة، وأنواع الدمار والخراب. 

يبدأ عباس الحوار بطرحه لرأي كان قد قرأه لمفكر إسلامي معاصر، وهذا الرأي كان جديدا حتى بالنسبة لعباس. 

راضي: جحظت عيناه (من هول ما سمع)، ثم قال متعجبا: الناس من ذاك العهد إلى يومنا هذا يتبعون نفس المنهج، أيعقل أنهم جميعا على خطأ؟!!

عباس: (ويبدو غاضبا) يا بن آدم! أليست نتيجة هذا المنهج ماثلة أمام عينيك ؟! ألا ترى كل هذه الأحداث المفجعة والموجعة ؟ ألا تعي تخلفنا عن الحضارة الإنسانية ؟ ألا تكفي هذه الشواهد، وغيرها الكثير، لتخبرنا أن هناك خللا ما في هذا المنهج؟! 

راضي: لا تحاول أن تقنعني! لأنه من غير المعقول أن كل أولئك الناس الذين سبقونا كانوا على خطأ! صدقني يا عباس المشكلة فينا، في فهمنا وفي تطبيقنا!

عباس: هل أفهم من كلامك أننا يجب أن نفعل مثلما فعل الأولون، ونستمر على نفس المنهج؟

راضي: (وكان واثقا كعادته) طبعا، لأن هذا هو الطريق الصحيح.

عباس: وهل تتوقع أن تتغير حالنا للأفضل؟!

راضي: صدقني! أنا متأكد يا صديقي عباس أن حالنا ستكون أفضل!! أنت لا يمكن أن تتخيل أو تستوعب لطف الله بعباده!!

عباس: (تنهيدة عميقة) لا تصدق كل ما يقال لك! يجب على كل واحد منا أن ينبش الكتب، أن يقرأ ثم يقرأ حتى يفهم ما كان وما يكون، لأننا ببساطة إذا لم نفهم ماضينا فلن نستطيع فهم واقعنا، وإذا لم نفهم واقعنا، فحتما سيتجاهلنا المستقبل!

راضي: لكن هناك الكثير من الكتاب الذين يملأ التفاؤل كتاباتهم.  

عباس: يا للأسف ! أن يكون بيننا مَن يحاول أن يطمئن الناس، ويدعوهم إلى عدم القلق مما يحدث في بلادنا، بل ويُظهر تفاؤلا ساذجا مميتا. إن هؤلاء لَعَالة علينا وآفة تكاد تخنق إرادة التغيير فينا. إنهم بدلا من التصدي للجمود الذي عطل العقل وشل حركة الفكر، ارتأوا الركون إلى الأماني التي تدغدغ خيالاتهم، وإلى الوهم الذي يعشعش في رؤوسهم. و "بئس الخيال تقوده الأوهام" كما قال شاعر العرب الأكبر.

انتهى